للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: إنّك إن تَذَرَ ورثتك أغنياء، بفتح إن على التعليل، وبكسرها علي الشرطية. قال النووي: هما صحيحان، وقال القرطبيّ: لا معنى للشرط هنا, لأنه يصير لا جواب له، ويبقى خير لا رافع له. وقال ابن الجوزي: سمعنا الكسر من رواة الحديث، وأنكره شيخنا عبد الله بن أحمد بن الخَشّاب، وقال: لا يجوز الكسر, لأنه لا جواب له، لخلو لفظ خير من الفاء وغيرها، مما اشترط في الجواب. وتُعُقِّب بأنه لا مانع من تقديره وقال ابن مالك: جزاء الشرط خيرٌ أي: فهو خير، وحذف الفاء جائز كقراءة طاوس {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} قال: ومن خص ذلك بالشِّعر بعد عن التحقيق، وضيق حيث لا تضييق, لأنه كثير في الشعر قليل في غيره. وأشار بذلك إلى ما وقع في الشعر مما أنشده سيبويه:

من يفعل الحسناتِ الله يشكرها

أي: فالله يشكرها، وإلى الرد على من زعم أن ذلك خاص بالشعر قال: ونظيره قوله في حديث اللُّقَطَة "فإنْ جاء صاحبها وإلا استمتع" بها بحذف الفاء، وقوله في حديث اللعان "البينة وإلا حَدٌّ في ظهرك".

وقوله: ورثتك، قال ابن المنير: إنما عبّر له -صلى الله عليه وسلم- بلفظ الورثة، ولم يقل "إن تدع بنتك" مع أنه لم يكن له حينئذ إلاَّ ابنة واحدة، لكون الوارث لم يتحقق, لأن سعدًا إنما قال بذلك بناء على موته في ذلك المرض، وبقائها بعده حتى ترثه، وكان من الجائز أن تموت هي قبله، فأجاب عليه الصلاة والسلام بكلام كُلّي مطابق حالة، وهو قوله "ورثتك"، ولم يخص بنتًا من غيرها.

وقال الفاكهانيّ في شرح العمدة: إنما عبر عليه الصلاة والسلام بالورثة, لأنه اطَّلع على أن سعدًا سيعيش، وتأتيه أولاد غير البنت المذكورة، فكان كذلك. وولد له بعد ذلك أربعة بنين لا أعرف أسماءهم، وليس قوله "إن تدفع بنتك" متعينًا, لأن ميراثه لم يكن منحصرًا فيها، فقد كان لأخيه عُتبة بن وقّاص أولاد إذ ذاك، منهم هاشم بن عتبة الصحابيّ الذي قُتل بصفين، فجاز التعبير بالورثة لتدخل البنت، وغيرها. فمن يرث، لو وقع موته إذ ذاك، أو بعد ذاك.

وقول الفاكهانيّ: إنه ولد له بعد ذلك أربعة لا أعرف أسماءهم فيه قصور، فإن أسماءهم في رواية هذا الحديث بعينه عند مسلم، من طريق عامر ومصعب ومحمد، ثلاثتهم عن سعد، ووقع ذكر عمر بن سعد فيه في موضع آخر، واقتصر القرطبيّ، على ذكر الثلاثة المذكورة في الحديث، وذكر بعض الشيوخ أن له أربعة من البنين غير الثلاثة، وهم عمر ويحيى وإبراهيم وإسحاق وعزا ذكرهم لابن المَدِينيّ، ولعل ابن المدينيّ اقتصر على ذكر من روى الحديث منهم، وإلا فقد ذكر له ابن سعد من الذكور غير السبعة أكثر من عشرة، وهم عبد الله وعبد الرحمن وعمر وعمران وصالح

<<  <  ج: ص:  >  >>