وقوله: أفأتَصدق بثلثي مالي؟ قال لا في رواية عائشة بنت سعد في الطب نحو هذه، وفي رواية الوصايا "أُوصي بمالي كله؟ قال: لا" فأما التعبير بقوله "أفأتصدق" فيحتمل التنجيز والتعليق، بخلاف إِفأُوصي،، لكن المخرج متحد، فيحمل على التعليق للجمع بين الروايتين، وقد تمسك بقوله:"أفأتصدق" من جعل تبرعات المريض من الثلث، وحملوه على المنجزة، وفيه اختلاف. وأما الاختلاف في السؤال، فكأنه سأل أولًا عن الكل، ثم سأل عن الثلثين، ثم سأل عن النصف، ثم سأل عن الثلث، وقد وقع مجموع ذلك في رواية جرير بن يزيد عند أحمد.
وفي رواية بُكير بن مِسمار عند النَّسائيّ. كلاهما عن عامر بن سعد، وكذا لهما عن محمد بن سعد عن أبيه، ومن طريق هشام بن عُروة عن أبيه عن سعد. وقوله: فقلت بالشطر؟ قال: لا، في رواية الوصايا "قلت فالشطر، قال: لا".
وقوله في هذه الرواية "فالشطرِ" بالجر عطفًا على قوله "بمالي كله" أي: فأُوصي بالنصفِ، وهذا رجحه السّهوليّ. وقال الزَّمخشريّ: هو بالنصب على تقدير فعل، أي أُسَمِّي الشطر أو أُعَين الشطر. ويجوز الرفع على تقدير: أيجوز الشطر.
وقوله: ثم قال الثلث والثلث كبير، وفي رواية الوصايا "قلت الثلث قال: فالثلث، والثلث كثير" وفي رواية الزهريّ في الهجرة "قال الثلث يا سعد، والثلث كثير" وفي رواية مصعب بن سعد عن أبيه عند مسلم "قلت فالثلث قال نعم، والثلث كثير" وفي رواية عائشة بنت سعد عن أبيها "قال الثلث والثلث كبير أو كثير" نحو رواية الباب، وكذا للنَّسائيّ عن أبي عبد الرحمن السلميّ عن سعد، وفيه "فقال: أوصيت؟ فقلت: نعم، قال: بكم؟ قلت: بمالي كله، قال: فما تركت لولدك" وفيه "أُوصي بالعُشر؟ قال: فما زال يقول وأقول حتى قال أوصي بالثلث والثلث كبير أو كثير" يعني بالمثلثة أو بالموحدة، وهو شك من الراوي، والمحفوظ في أكثر الروايات بالمثلثة، ومعناه كثير بالنسبة إلى ما دونه.
وقوله: قال الثلثُ والثلثُ كثير، بنصب الأول على الاغراء، أو بفعل مضمر نحو عَيِّن الثلث، وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أو المبتدأ والخبر محذوف، والتقدير: يكفيك الثلث، أو الثلث، كاف. ويحتمل أن يكون قوله "والثلث كثير" مسوقًا لبيان الجواز بالثلث، وأَنَّ الأوْلى أن ينقص عنه ولا يزد عليه، وهو ما يبتدره الفهم. ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل، أي: كثير أجره، ويحتمل أن يكون معناه "كثيرٌ غيرُ قليل" قال الشافعيّ رحمه الله: وهذا أَوْلي معانيه، يعني أن الكثرة أمر نسبيٌ، وعلى الأوَّل عوَّل ابن عباس، حيث قال: وددت أنَّ الناس غَضُّوا من الثلث إلى الربع. والمعروف في مذهب الشافعي استحباب النقص عن الثلث، وفي شرح مسلم للنّوويّ: إن كان الورثة فقراء استُحب أن ينقص منه، وإن كانوا أغنياء فلا.