للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حد الكثرة، وقد اعتبره بعض الفقهاء في غير الوصية، واستقر الإجماع على منع الوصية بأزيد من الثلث.

لكن اختُلف فيمن لم يكن له وارث خاص، فمنعه الجمهور، وجوزه الحنفية وإسحاق وشريك وأحمد ومالك في أحد قوليهما. وهو قول عليّ وابن مسعود، واحتجوا بأن الوصية مطلقة بالآية، فقيدتها السنة بمن له وارث، فيبقى من لا وارث له على الإطلاق، وقد قال في الحديث "إنْ تذر ورثتك أغنياء" فمفهومه أن من لا وارث له لا يبالي بالوصية بما زاد, لأنه لا يترك ورثة يخشى عليهم الفقر.

وتعقب هذا بأنه ليس تعليلًا محضًا، وإنما فيه تنبيه على الخط الأنفع، ولو كان تعليلًا محضًا لاقتضى بجواز الوصية بأزيد من الثلث لمن كانت ورثته أغنياء، ولنفذ ذلك عليهم بدون إجازتهم، ولا قائل بذلك، وعل تقدير أن يكون تعليلًا محضًا، فهو للنقص عن الثلث لا للزيادة، فكأنه لمّا شرع الإِيصاء بالثلث وأنه لا يعترض به على الموصي، إلا أنّ الانحطاط عنه أولى، ولاسيما لمن يترك ورثة غير أغنياء، فنبه سعدًا على ذلك.

وقد مرَّ أنّ المعروف في مذهب الشافعيّ استحباب النقص عن الثلث، وكره طائفة من أهل العلم الوصية بجميع الثلث. قال طاوس: إذا كان ورثته قليلًا، وماله كثيرًا، فلا بأس أن يبلغ الثلث، واستحب طائفة الوصية بالربع، وهو ما مرَّ عن ابن عباس. وقال: إسحاق السنة الربع، لقوله "الثلث كثير"، إلاَّ أن يكون رجل يعرف في ماله شبهة، فيجوز له الثلث.

قال أبو عمر: لا أعلم لإسحاق حجة في قوله "السنة الربع"، قلت: حجته ما ذكر من قوله "الثلث كثير"، وهو حجة ابن عباس، وقال ابن بطال: أوصى عمر بالربع، واختار آخرون السدس، وقال إبراهيم: كانوا يكرهون أن يوصوا بمثل نصيب أحد الورثة حتى يكون أقل، رواه ابن أبي شَيبة بسند صحيح، وكان السدس أحب إليه من الثلث. وأوصى أنس فيما ذكره في المصنف عن ثابت عنه بمثل نصيب أحد ولده، وأجاز آخرون العُشر، وعن أبي بكر، رضي الله تعالى عنه، أنه يفضل الوصية بالخُمس، وبذلك أوصى، وقال: رضيتُ لنفسي ما رضي الله لنفسه، يعني الخمس.

واستحب جماعة الوصية بالثلث، محتجين بحديث الباب، وبحديث ضعيف عن أبي هريرة مرفوعًا "جعل الله لكم في الوصية ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم". واختلفوا هل يعتبر ثلث المال حال الوصية أو حال الموت، على قولين. وهما وجهان للشافعية، أصحهما الثاني، وقال بالأول مالك وأكثر العراقيين، وقال به النخعيّ، وعمر بن عبد العزيز، وقال بالثاني أبو حنيفة وأحمد والباقون، وهو قول عليّ رضي الله تعالى عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>