للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه التأسف على فوت ما يحصل الثواب، وفيه حيث من ساءته سيئة، وإنَّ مَن فاته ذلك بادر إلى جبره بغير ذلك، وفيه تسلية من فاته أمر من الأمور بتحصيل ما هو أعلى منه، لما أشار -صلى الله عليه وسلم- لسعد من عمله الصالح بعد ذلك.

وفيه الاستفسار عن المحتمل إذا احتمل وجوهًا, لأن سعدًا لما منع من الوصية بجميع المال احتمل عنده المنع فيما دونه والجواز، فاستفسر عما دون ذلك. وفيه النظر في مصالح الورثة، وأن خطاب الشارع الواحد يعم من كان بصفته من المكلفين، لإطباق العلماء على الاحتجاج بحديث سعد هذا، وإن كان الخطاب إنما وقع له بصيغة الإفراد. ولقد أبعد من قال: إن ذلك يختص بسعد، ومن كان مثل حاله، ممن يخلف وارثًا ضعيفًا أو كان ما يخلفه قليلًا, لأن البنت من شأنها أن يُطمع فيها، وإن كانت بغير مال لم يرغب فيها، واستدل به التيميّ لفضل الغني على الفقير، وفيه نظر، وقد مرَّ الكلام عليه في كتاب العلم في باب الاغتباط.

وفيه مراعاة العدل بين الورثة، ومراعاة العدل في الوصية، واستدل بقوله "ولا يرثني إلا ابنة لي" من قال بالرد على ذوي الأرحام للحصر في قوله "لا يرثني إلا ابنة" وتُعُقب بأن المراد من ذوي الفروض، ومن قال بالرد لا يقول بظاهره, لأنهم يعطونها فرضها ثم يردون عليها الباقي. وظاهر الحديث أنها ترث الجميع ابتداءًا.

وفيه أنَّ من ترك مالًا قليلًا فالاختيار له ترك الوصية وإبقاء المال للورثة، للاتفاق على أن المراد بقوله {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} المالُ، واتفقوا على أن من لم يترك مالًا لا تشرع له الوصية بالمال. وقيل: المراد بالخير المال الكثير، فلا تشرع لمن له مال قليل.

قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن من لم يكن عنده إلا اليسير التافه من المال، انه لا يندب له الوصية. وفي نقل الإجماع نظر، فالثابت عن الزُّهريّ أنه قال: جعل الله الوصية حقًا فيما قل أو كثر، والمصرح به عند الشافعية ندبية الوصية من غير تفريق بين قليل وكثير، نعم، قال أبو الفرج السَّرْخَسِيّ منهم: إن كان المال قليلًا والعيال كثيرًا استحب له توفرته عليهم.

واختلف في حد المال الكثير في الوصية، فعن عليّ سبع مئة مال قليل، وعنه ثمان مئة مال قليل. وعن ابن عباس نحوه، وعن عائشة فيمن ترك عيالًا كثيرًا وترك ثلاثة آلاف "ليس هذا بمال كثير"، وحاصله أنه أمر نسبيّ يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال.

وفيه جواز التصدّق بجميع المال لمن عرف بالصبر، ولم يكن له من تلزمه نفقته. ويأتي الكلام على هذه المسألة مفصلًا في باب "لا صدقة إلا عن ظهر غِنىً" من كتاب الزكاة، وفيه أن الثلث في

<<  <  ج: ص:  >  >>