أعاروا أهل بيت عارِيَّةً فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك، فغضب وقال: تركتني حتى تلطختُ، ثم أخبرتني بابني؟ وفي رواية عبد الله فقالت: يا أبا طلحة، أرأيت قومًا أعاروا قومًا متاعًا، ثم بدا لهم فيه فأخذوه، فكأنهم وجدوا في أنفسهم وزاد حماد في روايته عن ثابت "فأبوا أن يردوها" فقال أبو طلحة: ليس لهم ذلك، إن العاريَّة مؤداة إلى أهلها، ثم اتفقا، فقالت: إن الله أعارنا فلانًا، ثم أخذه منا. زاد حمّاد "فاسترجع".
وقوله: لعل أنْ يبارك الله لكما في ليلتكما، في رواية الأصيليّ "لهما في ليلتهما" وفي رواية أنس بن سيرين "اللهم بارك لهما"، ولا تعارض بينهما، فيجمع بينهما بأنه دعا بذلك، ورجا إجابة دعائه. ولم تختلف الرواة عن ثابت، وكذا عن حميد في أنه قال "بارك الله لكما في ليلتكما" وعرف من رواية أنس بن سيرين أن المراد الدعاء، وإنْ كان لفظه لفظ الخبر.
وفي رواية أنس بن سيرين من الزيادة "فولدت غلامًا" وفي رواية عبد الله بن عبد الله "فجاءت بعبد الله بن أبي طلحة". ويأتي حديث تحنيكه في تعريفه في السند. وقوله: قال سفيان، هو ابن عيينة بالإِسناد المذكور، وقوله: فقال رجل من الأنصار إلخ، هو عباية بن رفاعة، لما أخرجه سعيد بن منصور ومسدد وابن سعد والبيهقيّ في الدلائل, كلهم عن سعيد بن مسروق عن عباية قال: كانت أم أنس تحت أبي طلحة، فذكر القصة شبيهة بسياق ثابت عن أنس. وقال في آخره: فولدت له غلامًا. قال عباية: فلقد رأي لذلك الغلام سبع بنين، كلهم قد ختم القرآن.
وأفادت هذه الرواية في رواية سفيان تجوزًا في قوله لهما, لأن ظاهره أنهم من ولدهما بدون واسطة، وإنما المراد من أولاد ولدهما المدعو له بالبركة، وهو عبد الله بن أبي طلحة. وفي رواية سفيان تسعة، وفي هذه سبعة، فلعل في أحدهما تصحيفًا، أو المراد بالسبعة من ختم القرآن كله، وبالتسعة من قرأ معظمه، وله من الولد، فيما ذكر ابن سعد وغيره من أهل العلم بالأنساب، إسحاق وإسماعيل وعبد الله ويعقوب وعمر والقاسم وعمارة وإبراهيم وعمير وزيد ومحمد، وأربع من البنات، والمذكور منهم في رجال الحديث أربعة، ذكرنا تعريف من لم يسبق تعريفه في سند هذا الحديث، وهم ثلاثة مع تعريف أبي عمير.
وفي قصة أم سليم هذه من الفوائد أيضًا جواز الأخذ بالشدة، وترك الرخصة مع القدرة عليها، والتسلية عن المصائب، وتزيين المرأة لزوجها، وتعرضها لطلب الجماع منه، واجتهادها في عمل مصالحه، ومشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليها، وشرط جوازها أن لا تبطل حقًا لمسلم، وكان الحامل لأم سليم على ذلك المبالغة في الصبر، والتسليم لأمر الله تعالى، ورجاء إخلافه عليها ما فات منها، إذ لو أعلمت أبا طلحة بالأمر في أول الحال تنكد عليه وقته، ولم تبلغ الغرض الذي أرادته، فلما علم الله صدق نيتها، بلَّغها مناها، وأصلح لها ذريتها.