وفيه إجابة دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن من ترك شيئًا عوضه الله خيرًا منه، وبيان حال أم سليم من التجلد وجودة الرأي وقوة العزم، وقد كانت تشهد القتال، وتقوم بخدمة المجاهدين إلى غير ذلك مما انفردت به عن جميع النسوة، مما مرَّ في تعريفها في السبعين من كتاب العلم. وقد وعدتُ بالكلام على حديث "ما فعل النُّغَير يا أبا عمير" تتميمًا للفائدة، وها أنا أذكر متنه المسوق عند المصنف في كتاب "الأدب" من رواية أبي التَّيَّاح، وأذكر باقي طرقه. ثم اتبع معانيه، وما فيه من الفوائد. ولفظ المتن المذكور عن عبد الوارث عن أبي التَّيّاح عن أنس قال:"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له أبو عمير، قال أحسبه فطيمًا، وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ نغيرٌ كان يلعب به، فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا، فيأمر بالبساط الذي تحته، فيكنس وينضح، ثم يقوم ونقوم خلفه، فيصلى بنا".
وأخرجه المصنف في باب الانبساط إلى الناس من رواية شُعبة عن أبي التَّيّاح، وأخرجه النَّسائيّ عن شعبة هكذا، ومن وجه آخر عن شعبة عن قتادة عن أنس، ومن وجه آخر عن شعبة عن محمد بن قيس عن حُمَيد عن أنس، والمشهور الأول، ويحتمل أن يكون لشعبة فيه طريق.
وقوله: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقًا، هذا قاله أنس توطئة لما يريد ذكره من قصة الصبي، وأول حديث شعبة المذكور عن أنس قال:"إنْ كان النبي -صلى الله عليه وسلم-، لَيُخالطنا" ولأحمد عن المثنى بن سعيد عن أبي التَّيّاح عن أنس "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يزور أم سليم" وفي رواية محمد بن قيس المذكورة "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد اختلط بنا أهل البيت" يعني بيت أبي طلحة وأم سليم. ولأبي يعلى عن محمد بن سيرين عن أنس: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يغشانا ويخالطنا.
وللنّسائيّ عن إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس: كان يأتي أم سليم، وينام على فراشها، وكان إذا مشى يتوكأ. ولابن مسعود وسعيد بن منصور عن رِبْعيّ بن عبد الله بن الجارود عن أنس: كان يزور أم سليم فتتحفه بالشيء تصنعه له.
وقوله: وكان لي أخ يقال له أبو عُمير، هو بالتصغير، وفي رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، عند أحمد: كان لي أخ صغير، وهو أخو أنس بن مالك من أمه. وفي رواية المثنى بن سعيد المارّة: وكان لها، أي أم سليم، ابن صغير، وفي رواية حميد عند أحمد: وكان لها من ابن أبي طلحة ابن يكنى أبا عُمير.
وفي رواية مروان بن معاوية عن حميد عند ابن أبي عمر: كان بُنَيٌّ لأبي طلحة. وقوله: أحسبه فطيمًا، بالنصب، وأصله فطيم, لأنه صفة أخ، وهو مرفوع، لكن تخلل بين الصفة والموصوف أحسبه، فطيم بمعنى مفطوم أي انتهى إرضاعه، وفي رواية عمارة بن زاذان عن ثابت عند ابن سعد