ويجمع بينهما بأنها تركت عد نفسها من يوم الحرة، وكان يوم الحرة قتل فيه من الأنصار من لا يحصى عدده، ونهبت المدينة الشريفة، وبذل فيها السيف ثلاثة أيام، وكان ذلك في أيام يزيد بن معاوية. وقال عياض: معنى الحديث لم يف ممن بايع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، مع أم عطية، في الوقت الذي بايعت فيه النسوة، إلا المذكورات, لأنه لم يترك النياحة من المسلمات غير خمسة، فيه مصداق ما وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- "بأنهن ناقصات عقل ودين".
وفيه فضيلة ظاهرة للنسوة المذكورات، ولم أر من عرّف واحدة ممن ذكرن سوى أم سليم، وأم العلاء. وفي حديث أم عطية في سورة الامتحان زيادة "ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها فقالت: أسْعَدتني فلانة، فأريد أن أجزيها، فما قال لها النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا، فانطلقت، ورجعت فبايعها".
قوله: ونهانا عن النياحة، في رواية مسلم عن أم عطية قالت:"لما نزلت هذه الآية {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا. وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} كان منه النياحة". وقوله: فقبضت امرأة يدها, في رواية عاصم فقلت: يا رسول الله، إلا آل فلان، فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية، فلابد من أنْ أُسعدهم. وآل فلان المشار إليهم لم يُعرفوا. وفي رواية النَّسائيّ: قلت إن امرأةً اسعدتني في الجاهلية. ولم يعرف اسم المرأة. وتبين أن أم عطية، في رواية عبد الوارث، أبهمت نفسها. ودلت هاتان الروايتان على ما مرَّ من أن الخامسة هي أم عطية.
وقوله: أسعدتني فلانة، فأريد أن أجزيها، وفي رواية عاصم: فقال إلاَّ آلَ فلان، وفي رواية النَّسائيّ: قال: فإذ هي فأسعديها، قالت: فذهبت فساعدتها ثم جئت، فبايعت.
والإِسعاد قيام المرأة مع الأخرى في النياحة تراسلها، وهو خاص بهذا المعنى، ولا يستعمل إلاَّ في البكاء والمساعدة عليه. ويقال: إن أصل المساعدة وضع الرجل يده على ساعد الرجل صاحبه، عند التعاون على ذلك. قال النووي: هذا محمول على أن الترخيص لأم عطية في آل فلان خاصة، ولا تحل لها ولا لغيرها في غير آل فلان، كما هو ظاهر الحديث، وللشارع أن يخص من العموم من شاء بما شاء، فهذا صواب الحكم في هذا الحديث، وفيه نظر، إلا أن يُدَّعى أن الذين ساعدتهم لم يكونوا أسلموا. وفيه بعد، وإلاّ فليدعْ مشاركتهم لها في الخصوصية، وسيأتي قريبًا بيانُ ما يقدح في خصوصية أم عطية بذلك.
واستشكل القاضي عياض وغيره هذا الحديث، وقالوا فيه أقوالًا عجيبة، والمقصود التحذير من الاغترار بها، فإن بعض المالكية قال: إن النياحة ليست بحرام لهذا الحديث، وإنما المحرم ما كان معه شيء من أفعال الجاهلية من شق جيب وخمش خد ونحو ذلك. قال: والصواب ما ذكرناه أولًا،