وأخرج البخاريّ في التاريخ عن مَريم بن أسعد قال: لقيت قيس بن سعد، وقد خدم النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، وأخرج البغويّ عن ابن شهاب قال: كان قيسٌ حامل راية الأنصار مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان من ذوي الرأي من الناس وقال ابن يونس: شهد فتح مصر، واخْتَطَّ بها دارًا، ثم كان أمرها لعليِّ، وقال الواقديّ: سخيًا كريمًا ذا هبةٍ. وقال أبو عمر: كان أحد الفضلاء الجِلّة، من دُهاة العرب، من أهل الرأي والمكيدة في الحرب، من النجدة والسخاء والشجاعة، وكان شريفَ قومه غير مدافَع، وكان أبوه وجده كذلك.
وفي الصحيح عن جابر في قصة جيش العُسرة أنه كان في ذلك الجيش، وأنه كان ينحر ويطعم حتى استدان بسبب ذلك، ونهاه أمير الجيش، وهو أبو عُبيدة. وفي بعض طرقه أنه نحر تسعة ركائب، وأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: الجُود من شِيمة ذلك البيت. وذكر الزبير أنه كان سنّاطًا، وكذلك عبد الله بن الزبير وشُريح القاضي، أي ليس في وجوههم شعر، وكانت الأنصار يقولون: وَدِدنا لو اشترينا لقيس بن سعد لِحيةً بأموالنا.
وأخرج الطبرانيّ في "مكارم الأخلاق" أن قيسًا كان يقول: اللهم ارزقني حمدًا ومجدًا، فإنه لا حمد إلا بفِعال، ولا مجد إلا بمال. وروى ابن المبارك أن معاوية كتب إلى مروان أن اشتر دار كثير بن الصلت منه، فأبى عليه، فكتب مروان إلى معاوية بذلك، فكتب إليه أن خذه بالمال الذي عليه، فإن جاء به وإلا بع عليه داره، فأرسل إليه مروان، فأخبره فقال له: إني أُؤجلك ثلاثًا، فإن جئت بالمال وإلاّ بيعت عليك دارُك. قال: فجمعه إلى ثلاثين ألفًا، فقال: من لي بها؟ ثم ذكر قيس بن سعد، فأتاه، فطلبها منه، فأقرضه اياها، فجاء بها إلى مروان، فلما رأى أنه قد جاء بها، ردها عليه ورد عليه داره، فرد كثيرٌ الثلاثين ألفًا على قيس، فأبى أن يقبلها، وقال: إنا لا نعود في شيء أعطيناه. وقصته مع العجوز التي اشتكت إليه أنه ليس في بيتها جُرْذ، فقال: ما أحسن ما سألت، أما والله لأكثرن جرذًا في بيتك، فملأ بيتها طعامًا ورَدَكًا وإدامًا، صحيحة.
وكذلك خبرهُ لما توفي أبوه عن حمل لم يعلم به، فلما ولد وكان سعد قد قسم ماله حين خروجه من المدينة بين ولده، فكلم أبو بكر وعمر في ذلك قيسًا وسألاه أن ينقض ما صنع سعد من تلك القسمة، فقال: نصيبي للمولود، ولا أغير ما فعل أبي ولا أنقضه. خبر صحيح من رواية الثقات. ومن مشهور أخباره أنه كانت له ديون كثيرة على الناس، فمرض واستبطأ عُوّاده، فقيل: إنهم يستحيون من أجل دَيْنك، فأمر مناديًا ينادي: كل من كان لقيس بن سعد عليه دَين فهو له، فأتاه الناس حتى هدموا درجةً كانوا يصعدون عليها إليه.
قال ابن عبد البر: وأما خبره في السراويل عند معاوية فباطل، وزور مختلق، ليس له إسناد، ولا يشبه أخلاق قيس بن سعد في معاوية، لا سيرته في نفسه ونزاهته. وهي حكاية مفتعلة، وشعر مزور.