صحب قيسٌ عليًا، وشهد معه مشاهده كلها، وكان قد أمَّره على مصر، فاحتال عليه معاوية، فلم ينخدع له، فاحتال على أصحاب عليّ حتى حسّنوا له تولية محمد بن أبي بكر، فولاه مصر، وارتحل قيس، ففسدت عليه مصر، فشهد مع عليّ صفين، وهو القائل في صفين:
هذا اللواء الذي كنا نحفُّ به ... مع النبي وجبريلٌ لنا مَددٌ
ما ضرَّ من كانت الأنصار عينته ... ألاَّ يكون له من غيرهم أحدُ
قومٌ إذا حاربوا طالت أكفهم ... في المَشْرفيَّة حتى يُفْتحَ البلَدُ
ثم كان مع الحسن بن علي حتى صالح معاوية، كان على مقدمته، ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤوسهم بعدما مات عليّ، وتبايعوا على الموت، فلما دخل الحسن في بيعة معاوية، أبى قيس أن يدخل، وقال لأصحابه: ما شئتم؟ إنْ شئتم جالدتُ بكم أبدًا حتى يموت الأعجل منا، وإن شئتم أخذت لكم أمانًا. فقالوا: خذ لنا أمانًا، فأخذ لهم كذا وكذا، وأن لا يعاقبوا بشيء، وأنه رجل منهم، ولم يأخذ لنفسه خاصةً شيئًا، فلما ارتحل نحو المدينة، كان ينحر لأصحابه كل يوم جزورًا حتى بلغ المدينة، فأقام بها وأقبل على العبادة إلى أن مات بها.
له ستة عشر حديثًا، اتفقا على حديث، وانفرد البخاريّ بطرق من حديث آخر، روى عنه عمرو بن دينار أنه قال: لولا الإِسلام لمكرت مكرًا لا تطيقه العرب. مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة، سنة ستين، وقيل سنة تسع وخمسين، وقيل: مات في خلافة عبد الملك سنة خمس وثمانين. والصحيح الأول.
ثم قال: وقال أبو حمزة عن الأعمش عن عمرو بن مُرة عن ابن أبي ليلى قال: كنت مع قيس وسهل رضي الله عنهما فقالا: "كنا مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-" أراد المصنف بهذا التعليق بيان سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى لهذا الحديث من سَهل وقيس, لأن الرواية الأولى ليس فيها بيان ذلك، وهذا التعليق وصله أبو نعيم في المستخرج، ولفظه نحو حديث شُعبة، إلا أنه قال في روايته "فمرت عليهما جنازة فقاما" ولم يقل فيه بالقادسية.
ورجاله ستة:
قد مرّوا، مرَّ أبو حمزة محمد بن ميمون في الثامن والعشرين من الغُسل، ومرَّ الأعمش في الخامس والعشرين من الإِيمان, ومرت الأربعة الباقية في الذي قبله.
ثم قال: وقال زكرياء عن الشعبي عن ابن أبي ليلى: كان أبو مسعود وقيس يقومان للجنازة. ويجمع بين ما وقع فيه من الاختلاف بأن عبد الرحمن بن أبي ليلى ذكر قيسًا وسهلًا مفردين، لكونهما رفعا له الحديث، وذكر مرة أخرى عَن قيس وأبي مسعود لم يرفعه.