بالمجلود في حال سؤالهم عن ذلك، فأمرهم بإحضارهما فوقع ما وقع.
ويؤيد الجمع ما عند الطبرانيّ عن ابن عباس، أن رهطًا من اليهود أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومعهم امرأة فقالوا: يا محمد، ما أنزل عليك في الزنا؟ فيتجه أنهم جلدوا الرجل ثم بدا لهم أن يسألوا عن الحكم، فأحضروا المرأة، وذكروا القصة والسؤال. وفي رواية عُبيد الله العمري عن نافع عن ابن عُمر أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أُتي بيهوديّ ويهودية زنيا، ونحوه في رواية عبد الله بن دينار ولفظه "أحدثا" أي: فعلا فعلًا فاحشًا.
وقوله: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم، قال الباجيّ: يحتمل أن يكون علم بالوحي أن حكم الرجم فيها ثابت على ما شرع، لم يلحقه تبديل، ويحتمل أن يكون إنما سألهم عن ذلك ليعلم ما عندهم فيه، ثم يتعلم صحة ذلك من قبل الله تعالى.
وقوله: فقالوا نفضحهم ويجلدون، أي: بفتح أول الأول وثالثه، من الفضيحة. وفي رواية أيوب عن نافع في التوحيد بيان الفضيحة ولفظه "قالوا نُسَخِّم وجوههما ونخزيهما" وفي رواية عن عبد الله بن عمر قالوا: نسود وجوههما ونُحَمِّمُهما ونخالف بين وجوههما ويُطاف بها. وفي رواية عبد الله بن دينار أن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبيه.
وقوله: أحدثوا: أي ابتكروا، وتحميم الوجه أنْ يصب عليه ماءٌ حارٌ مخلوطٌ بالرماد، والمراد تسخيم الوجنة بالحميم، وهو الفحم. وفي حديث أبي هُريرة "يحمم ويُجَبَّه ويجلد" والتجبيه بفتح المثناة وسكون الجيم وكسر الموحدة بعدها ياء آخر الحروف ساكنة ثم هاء، أصله من جَبَهت الرجل إذا قابلته بما يكره من الإغلاظ في القول أو الفعل، قاله ثابت في الدلائل. وقال عياض: فسر التجبيه في الحديث بأنهما يجلدان ويحمم وجوههما ويحملان على دابة مخالفًا بين وجوههما.
وقال المنذريّ يشبه أن يكون أصله الهمزة، وأنه التجبئة، وهي الرَّدْع والزجر، يقال: جَبَّأته تجبيئًا أي ردعته. والتجبئة أن ينكس رأسه فيحتمل، أن يكون من فعل به ذلك ينكس رأسه استحياءًا. فسمي ذلك الفعل تجبية.
وقيل: التجبية أن يضع اليدين على الركبتين وهو قائم، فيصير كالراكع، وكذا أن يكبَّ على وجهه باركًا كالساجد. وقال الفارابي: جبّأ، بفتح الجيم وتشديد الموحدة: قام قيام الراكع وهو عريان. قال الباجيّ: ظاهر الأمر أنهم قصدوا في جوابهم تحريف حكم التوراة. والكذب على النبي عليه الصلاة والسلام، إما رجاء أن يحكم بينهم بغير ما أنزل الله، وإما لأنهم قصدوا بتحكيمه التخفيف على الزانيين، واعتقدوا أن ذلك يخرجهم عما وجب عليهم، أو قصدوا اختيار أمره لأنه من المقرر أن من كان نبيًا لا يُقِرُّ على باطل، فطهر بتوفيق الله نبيَّه كذبهم، وصدقه ولله الحمد.