عينه، وفي رواية عمار، فقال: يا رب عبدُك موسى فقأ عيني، ولولا كرامته عليك لشققت عليه. وقوله: فقل له يضع يده، في رواية أبي يونس فقل له "الحياةَ تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك".
وقوله: على مَتْن، بفتح الميم وسكن المثناة، هو الظهر، وقيل مكتنف الصُّلب بين العصب واللحم. وفي رواية عمار "على جلد ثور". وقوله: فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة حسنة، وفي رواية "فله بما غطَّى يده". وقوله: ثم الموت، في رواية أبي يونس "قال فالآن يا ربّ من قريبٍ، وفي رواية عمار "فأتاه فقال له: ما بعد هذا؟ قال الموت، قال: فالآن" والآن ظرف زمان غير متمكن، وهو اسم لزمان الحال الفاصل بين الماضي والمستقبل.
وقوله: أنْ يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، المُقَدّسة أي: المطهرة، وأن مصدرية في موضع نصب، أي: سأل الله الدنو من بيت المقدس ليدفن فيه. وقوله: رمية بحجر، أي دنوا، لو رمى رامٍ حجرًا من ذلك الموضع الذي هو موضع قبره، لوصل إلى بيت المقدس.
قال في الفتح: يحتمل أن يكون المعنى أَدْنِني من مكان إلى الأرض المقدسة هذا القدر، أو أدنني إليها حتى يكون بيني وبينها هذا القدر. وهذا الثاني أرجح، وعليه شرح ابن بطال. وأما الأول، فهو وإن رجَّحه بعضهم، فليس بجيد، إذ لو كان كذلك لطلب الدنو أكثر من ذلك، ويحتمل أن يكون القدر الذي بينه وبين أول الأرض المقدسة كان قدر رمية حجر، فلذلك طلبها.
وحكى ابن بطال عن غيره أن الحكمة في أنه لم يطلب دخولها ليُعَمِّي موضع قبره، لئلا تعبده الجهال من ملته. قال ابن عباس: لو علمت اليهود قبر موسى وهارون لاتخذوهما إلهين من دون الله، ويحتمل أن يكون سر عدم طلبه دخولَ نفس الأرض المقدسة هو أن موسى كان إذ ذاك في التيه، ومعه بنو إسرائيل، وكان أمرهم بالدخول إلى الأرض المقدسة، فامتنعوا فحرم الله عليهم دخولها أبدًا، غير يوشع وكالب، وتَيَّههم في القفار أربعين سنة في ستة فراسخ، وهم ستمائة ألف مقابل. وكانوا يسيرون كل يوم جادّين، فإذا أمسوا كانوا في الموضع الذي ارتحلوا منه، إلى أن أفناهم الموت، ولم يدخل منهم أحد الأرض المقدسة ممن امتنع أولًا أن يدخلها إلا أولادهم، وهم مع يوشع.
ومات هارون ثم موسى عليهما السلام، قبل فتح الأرض المقدسة على الصحيح، فكأنّ موسى لما لم يتهيأ له دخولها لغلبة الجبّارين عليها. ولا يمكن نبشه بعد ذلك لينقل إليها طلبَ القرب منها, لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه، وقيل: إنما طلب موسى الدنو لأن النبي يدفن حيث يموت، ولا ينقل، وفيه نظر, لأن موسى قد نقل يوسف، عليهما السلام، معه لما خرج من مصر،