كما أخرجه أبو يعلى وغيره بسند صحيح. وأجيب بأنه إنما نقله بوحي، فتكون خصوصية له.
وقوله: فلو كنت ثَمَّ، بفتح المثلثة، أي: هناك، وقوله: إلى جانب الطريق، وفي رواية "من جانب الطريق" وقوله: عند الكثيب الأحمر، وفي رواية "تحت الكثيب الأحمر" والكثيب، بالمثلثة وآخره موحدة، وزن عظيم، الرملُ المجتمع، وهذا ليس صريحًا في الإِعلام بقبره الشريف، ومن ثم حصل الاختلاف فيه، فزعم ابن حِبّان أن قبره بمَدْيَن بين المدينة وبيت المقدس، وتعقبه الضّياء بأن أرض مَدْين ليست قريبة من المدينة ولا من بيت المقدس. قال وقد اشتهر عن قبر بأريحاء عنده كثيب أحمر أنه قبر موسى، وأريحاء من الأرض المقدسة. وقيل: بالتيه، وقيل: بباب لُدّ ببيت المقدس، أو بدمشق، أو بوادٍ بين بُصرى والبلقاء.
وزاد عمار في روايته "فشمه شمة فقبض روحه، وكان يأتي الناس خفية بعد ذلك، ويقال: إنه أتاه بتفاحة من الجنة، فشمها فمات، وقال وهب: خرج موسى لبعض حاجته، فمر برهط من الملائكة يحفرون قبرًا لم يَرَ قط شيئًا أحسنَ منه، فقال: لمن تحفرون هذا القبر؟ فقالوا: أتحب أن يكون لك؟ قال: وددت، قالوا: فانزل واضطجع فيه، وتوجه إلى ربك، ففعل، ثم تنفس أسهل نَفَس فقبض الله روحه، ثم سوت عليه الملائكة التراب".
وذكر السّديّ في تفسيره أن موسى لما دنت وفاته مشى هو وُيوشع بن نُون، فتاهَ، فجاءت ريحٌ سوداء، فظن يوشع أنها الساعة، فالتزم موسى، فانسل موسى من تحت القميص، فأقبل يوشع بالقميص، وكان عمر موسى مئة وعشرين سنة. قال ابن خزيمة: قد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث، وقالوا: إن كان عرفه فقد استخف به، وإن كان لم يعرفه فكيف لم يقتص له من فقأ عينه؟
والجواب أن الله تعالى لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ، وإنما بعثه إليه اختبارًا، وإنما لطم موسى مَلَك الموت لأنه رأى آدميًا دخل داره بغير إذنه، ولم يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح الشارع فقأ عين الناظر في دار المسلم بغير إذن، وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدميين، ولم يعرفاهم ابتداءًا، ولو عرفهم إبراهيم لما قدم إليهم المأكول، ولو عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه، وقد جاء المَلَك إلى مريم ولم تعرفه، ولو عرفته لما استعاذت منه، وقد دخل المَلَكان على داود عليه السلام في شبه آدميين يختصمان عنده، ولم يعرفهما، وقد جاء جبريل عليه السلام إلى النبي عليه الصلاة والسلام وسأله عن الإِيمان ولم يعرفه، وقال: ما أتاني في صورة قط إلا عرفته فيها، غير هذه، فكيف يستنكر أن يعرف موسى الملك حين دخل عليه؟ وعلى تقدير أن يكون عرفه، فمن أين لهذا المبتدع مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر؟ ثم من أين له أنَّ مَلَك الموت طلب القصاص من موسى ولم يقتص له منه؟