ولخص الخطابي كلام ابن خُزيمة، وزاد فيه أن موسى دفعه عن نفسه، لما رُكِّب فيه من الحِدّة، وأن الله رد عين ملك الموت، ليعلم موسى أنه جاءه من عند الله، فلهذا استسلم حينئذ، وقال النوويّ: لا يمتنع أن يأذن الله لموسى في هذه اللطمة امتحانًا للملطوم، وقال غيره: إنما لطمه لأنه جاء لقبض روحه من غير أن يخيره، لما ثبت أنه لم يقبض نبي حتى يُخير، فلهذا لما خيّره في المرة الثانية أَذْعن. قيل: وهذا أولى الأقوال بالصواب، وفيه نظر, لأنه يعود أصل السؤال، فيقال: لم أقدم مَلَك الموت على قبض نبي الله، وأخل بالشرط، فيعود الجواب أن ذلك وقع امتحانًا.
وزعم بعضهم أن معنى قوله "فقأ عينه" أي: أبطل حجته، وهو مردود بقوله في نفس الحديث "فرد الله عنيه" وقوله: "لطمه وصكه وغير ذلك" من قرائن السياق، وقال ابن قتيبة إنما فقأ موسى العينَ التي هي تخييل وتمثيل، وليست عينًا حقيقة، ومعنى رد الله عينه أي: أعاده إلى خلقته الحقيقية. وقيل: على ظاهره ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية، ليرجع إلى موسى على كمال الصورة، فيكون ذلك أقوى في اعتباره، وهذا هو المعتمد. وجوّز ابن عقيل أن يكون موسى أذن له أن يفعل ذلك بملك الموت، وأمر ملك الموت بالصبر على ذلك، كما أمر موسى بالصبر على ما يصنع الخضر، وفيه أن الملك يتمثل بصورة الإنسان، وقد جاء ذلك في عدة أحاديث، وقد اختلف في جواز نقل الميت من بلد إلى بلد، فقيل: يكره، لما فيه من تأخير دفنه، وتعريضه لهتك حرمته. وقيل: يستحب. والأولى تنزيل ذلك على حالتين، فالمنع حيث لم يكن هناك غرض راجح، كالدفن في البقاع الفاضلة، وتختلف الكراهة في ذلك، فقد تبلغ التحريم والاستحباب حيث يكون ذلك بقرب مكان فاضل.
كما نص الشافعيّ على استحباب نقل الميت إلى الأرض الفاضلة، كمكة وغيرها. وقال القسطلانيّ: ولابد من قرب المنقول إليه، والمراد بالقرب مسافة لا يتغير فيها الميت قبل وصوله، ولا ينبغي التخصيص بالثلاثة، بل لو كان بقربه مقابر أهل الصلاح والخير، فالحكم كذلك, لأن الشخص يقصد الجار الحسن. وعند المالكية يجوز النقل إذا لم يحصل فيه هتك لحرمة الميت، بأن لا يحصل له انفجار ونحو ذلك، وإن كان للدفن مع الصالحين أو مع أقاربه استحب بشرطه المذكور، واستدل بقوله "فلك بكل شعرة سنة" على أنّ الذي بقي من الدنيا كثيرٌ جدًا لأن عدد الشعر الذي تواريه اليد، قدر المدة التي بين موسى وبعثة نبينا عليه الصلاة والسلام مرتين وأكثر.
واستدل به على جواز الزيادة في العمر، وقد قال به قوم في قوله تعالى:{وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} إنه نقص وزيادة في الحقيقة. وقال الجمهور: الضمير في قوله {مِنْ عُمُرِهِ} للجنس لا للعين، أي: لا ينقص من عمر آخر، وهذا كقولهم: عند ثوب ونصفه، أي: ونصف ثوب آخر. وقيل: المراد بقوله {وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} أي: وما يذهب من عمره، فالجميع معلوم عند الله تعالى من قصة موسى عليه السلام أن أجله كان قرب حضوره، ولم يبق منه