الصلاة عليهم". وهذا يحمل على أن المراد أول ما تكلم به، أي: عند خروجه قبل أن يصعد المنبر. وقوله: فقال إني فَرَطَ لكم، بفتح الفاء والراء، وهو الذي يتقدم الواردة ليصلح لهم الحياض والدلاء ونحوهما، أي: أنا سابقكم إلى الحوض كالمهيىء له لأجلكم.
وفيه إشارة إلى قرب موته -صلى الله عليه وسلم-، وتقدمه على أصحابه، ولذا قال كالمودع للأحياء والأموات. وقوله: وأنا شهيد عليكم، أي: أشهد عليكم بأعمالكم، فكأنه باق معهم لم يتقدمهم، بل يبقى بعدهم حتى يشهد بأعمال آخرهم، فهو عليه الصلاة والسلام قائم بأمرهم في الدارين في حياته وموته.
وعن ابن مسعود عند البزّار بإسناد جيد رفعه، "حياتي خير لكم، ووفاتي خير لكم، تعرض عليّ أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم". وقوله: وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، أي: نظرًا حقيقيًا بطريق الكشف، والحلف لتأكيد الخبر وتعظيمه.
وقوله: أو مفاتيح الأرض، شك من الراوي، فيه إشارة ما فتح على أمته من الملك والخزائن، والحوض يأتي الكلام عليه في محله في آخر كتاب الرقاق. وقوله: ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي أي: ما أخاف على جميعكم الإشراك، بل على مجموعكم, لأن ذلك قد وقع من البعض أعاذنا الله تعالى من ذلك.
وقوله: ولكن أخشى أن تنافسوا فيها، بإسقاط إحدى التاءين، وفي رواية عمرو بن عوف في الرقاق "ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبْسَط عليكم الدنيا كما بُسِطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم" والضمير في ضمها لخزائن الأرض المذكورة في حديث الباب، أو للدنيا المصرح بها في حديث الرقاق هذا، وحديث مسلم.
والتنافس من المنافسة، وهي الرغبة في الشيء منافسةً ونَفَاسة ونِفاسًا، ونَفُس الشيءُ بالضم، نفاسةً صار مرغوبًا فيه. ونَفِسْتُ به بالكسر بخلت، ونَفَسْت عليه لم أره أهلًا لذلك.
وقوله: فتلهيكم، وفي رواية "فتهلككم" أي: لأن المال مرغوبٌ فيه، فترتاح النفس لطلبه، فتمتنع منه، فتقع العداوة المقتضية للمقاتلة المفضية إلى الهلاك. وقوله في هذا الحديث، ما الفقر أخشاه عليكم. والأول هو الراجح. وخص بعضهم جواز ذلك بالشعر.
وهذه الخشية يحتمل أن يكون سببها علمه أن الدنيا ستفتح عليهم ويحصل لهم الغنى بالمال، وقد أخبر بوقوع ذلك قبل أن يقع، ووقع. وقال الطيبيّ: فائدة تقديم المفعول هنا الاهتمام بشأن