وعن عمران بن حصين، أخرجه أحمد بسند صحيح من أنس، لكن عنده "من يهودية أصبهان". قال أبو نعيم في تاريخ أصبهان: كانت اليهودية من جملة قرى أصبهان، وإنما سميت اليهودية لأنها كان تختص بسكنى اليهود. قال: ولم تزل على ذلك إلى أن مَصَّرها أيوب بن زياد أمير مصر في زمن المهدي بن المنصور، فسكنها المسلمون، وبقيت لليهود منها قطعة منفردة.
وأما ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا قال: يتبع الدجال سبعون الفًا من يهود أصبهان، فلعلها كانت يهودية أصبهان، يريد البلد المذكور، لا أن المراد أن جميع أهل أصبهان يهود، وأن القدر الذي يتبع الدجال منهم سبعون ألفًا. وأخرج نعيم بن حماد في كتاب الفتن، عن جبير بن نُفَير وشريح بن عبيد وعمرو بن الأسود وكثير بن مُرة قالوا جميعًا: الدجال ليس هو إنسان، وإنما هو شيطان موثق بسبعين حَلْقة، في بعض جزائر اليمن، لا يعلم من أوثقه سليمان النبي أو غيره؟ فإذا آذن ظهوره، فك الله عنه كل عامٍ حلقة، فإذا برز أتته أتان عَرْض ما بين أذنيها أربعون ذراعًا، فيضع على ظهرها منبرًا من نحاس، ويقعد عليه، ويتبعه قبائل الجن، يُخرجون له خزائن الأرض، وهذا لا يمكن معه كون ابن صياد هو الدجال، ولعل هؤلاء، مع كونهم ثقات، تلقوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب.
وأخرج أبو نعيم أيضًا، عن كعب الأحبار، أن الدجال تلده أمه بقوص من أرض مصر، قال: وبين مولده ومخرجه ثلاثون سنة، قال: ولم ينزل خبره في التوراة والإِنجيل، وإنما هو في بعض كتب الأنبياء، وأَخْلِقْ بهذا الخبر أن يكون باطلًا، فإن الحديث الصحيح أن كل نبي قبل نبينا أنذر قومه الدجال، وكونه يولد قبل مخرجه بالمدة المذكورة، مخالف لكونه ابن صياد، ولكونه موثوقًا في جزيرة من جزائر البحر.
وذكر ابن وصيف المؤرخ أن الدجال من وَلَد شِقّ، الكاهن المشهور، قال: وقال: بل هو شِق نفسه، أنظره الله وكانت أمه جنية، عشقت أباه، فأولدها، وكان الشيطان يعمل له العجائب، فأخذه سليمان فحبسه في جزيرة من جزائر البحر. وهذا أيضًا في غاية الوحي، وأقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال، أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقًا، وأنّ ابن صياد شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة، إلى أن توجه إلى اصبهان، فاستتر مع قرينه إلى أن تجيء المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها.
ولشدة التباس الأمر في ذلك سلك البخاري مسلك الترجيح، فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صياد، ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم، وقد توهم بعضهم أنه غريب، فرد، وليس كذلك، فقد رواه مع فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر، أما أبو هريرة فأخرجه أحمد عن الشعبيّ عن المُحْرز بن أبي هريرة عن أبيه، مطولًا، وأخرجه أبو داود مختصرًا،