فروي أنه تاب من ذلك القول، ومات بالمدينة، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه، كشفوا وجهه ليراه الناس، وقيل لهم: اشهدوا.
وقال النووي: قال العلماء قصة ابن صياد مشكلة، وأمره مشتبه، لكن لا شك أنه دجال من الدجاجلة، والظاهر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يوحَ إليه فيه شيء، وإنما أُوحي إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فلذلك كان عليه الصلاة والسلام لا يقطع في أمره بشيء، بل قال لعمر:"لا خير لك في قتله .. " الحديث.
وأما احتجاجاته هو بأنه مسلم إلى سائر ما ذكر، فلا دلالة فيه على دعواه, لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إنما أخبر عن صفاته وقت خروجه آخر الزمان، قال: ومن جملة ما في قصته قوله للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أتشهد أني رسول الله؟ وقوله: إنه يأتيه صادق وكاذب، وقوله: إنه تنام عينه ولا ينام قلبه. وقوله: إنه يرى عرشًا على الماء، وأنه لا يكره أن يكون الدجال، وأنه يعرفه ويعرف مولده وموضعه، وأين هو الآن.
قال: وأما إسلامه وحجه وجهاده، فليس فيه تصريح بأنه غير الدجال، لاحتمال أن يختم له بالشر، فقد أخرج أبو نعيم الأصبهانيّ، في تاريخ أصبهان، ما يؤيد كون ابن صياد هو الدجال، فساق عن شُبيل، بمعجمة، عن حسّان بن عبد الرحمن عن أبيه قال: لما افتتحنا أصبهان كان بين عسكرنا وبين اليهودية فرسخ، فكنا نأتيها فنمتار منها، فأتيتها يومًا، فإذا اليهود يزفنون ويضربون، فسألت صديقًا لي منهم، فقال: ملكنا الذي نستفتح به على العرب يدخل، فبت عنده على سطح، فصليت الغداة، فلما طلعت الشمس إذا الرهج من قبل العسكر، فنظرت فإذا رجل عليه قبة من ريحان، واليهود يزفنون ويضربون، فنظرت فإذا هو ابن صياد، فدخل المدينة، فلم يعد حتى الساعة.
قال في الفتح: عبد الرحمن بن حسان ما عرفته، والباقون ثقات، وقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن جابر قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرّة، وبسند حسن، فقيل: إنه مات، وهذا يضعف ما تقدم أنه مات بالمدينة، وأنهم صلوا عليه، وكشفوا عن وجهه، ولا يلتئم حديث جابر هذا مع خبر حسان بن عبد الرحمن, لأن فتح أصبهان كان في خلافة عمر، كما أخرجه أبو نعيم في تاريخها، وبيْن قتل عمر ووقعة الحرة نحو أربعين سنة. ويمكن الحمل على أن القصة إنما شاهدها ولد حسان بعد فتح أصبهان بهذه المدة، ويكون جواب "لما" في قوله: لما افتتحنا أصبهان، محذوفًا، تقديره: صرت أتعاهدها، وأتردد إليها، فجرت قصة ابن صياد، فلا يتحد زمان فتحها وزمان دخول ابن صياد لها.
وقد أخرج الطبرانيّ في الأوسط عن فاطمة بنت قيس مرفوعًا "أن الدجال يخرج من أصبهان"،