وفيه أنه سألهم عن نبيِ الأميين، هل بعث؟ وأنه قال: إن يطيعوه فهو خير لهم، وأنه سألهم عن بُحيرة طبرية، وعن عَين زُغَر، وعن نَخْل بَيْسان. وفيه أنه قال: إني مخبركم عني، أنا المسيح، وإني أوشك أن يُؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها، في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة.
وفي بعض طرقه عند البيهقيّ: أنه شيخ، وسندها صحيح، قال البيهقيّ فيه: إن الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد، وكان ابن صياد أحد الدجالين الكذابين الذين أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بخروجهم، وقد خرج أكثرهم، وكأنّ الذين يجزمون بأن ابن صياد هو الدّجال لم يسمعوا بقصة تميم، وإلاّ فالجمع بينهما بعيد جدًا، إذ كيف يلتئم أن يكون من كان في أثناء الحياة النبوية شبه المحتلم، ويجتمع به النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويسأله، أن يكون في آخرها شيخًا كبيرًا مسجونًا في جزيرة من جزائر البحر، موثقًا بالحديد يستفهم عن أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- هل خرج أو لا؟
فالأَوْلى أنْ يحمل على عدم الاطلاع، أما عمر فيحتمل أن يكون ذلك منه قبل أن يسمع قصة تميم، ثم لما سمعها لم يعد إلى الحلف المذكور، وأما جابر فشهد حلفه عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاستصحب ما كان عليه من عمر بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن أخرج أبو داود عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر، فذكر قصة الجساسة والدجال بنحو قصة تميم، قال: قال الوليد بن عبد الله بن جُميع قال لي ابن أبي مسلمة: إنّ في هذا شيئًا ما حفظته، قال: شهد جابر أنه ابن صياد، قلت: فإنه قد مات، قال: وإن مات، قلت: فإنه أسلم، قال: وإن أسلم. قلت: فإنه دخل المدينة، قال: وإن دخل المدينة.
وابن أبي مسلمة اسمه عمر، فيه مقال، ولكن حديثه حسن، ويتعقب به على من زعم أن جابرًا لم يطلع على قصة تميم، وقد تكلم ابن دقيق العبد على مسألة التقرير بما محصله "إذا أخبر بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أمر ليس فيه حكم شرعيّ فهل يكون سكوته عليه الصلاة والسلام دليلًا على مطابقة ما في الواقع، كما وقع لعمر في حلفه على ابن صياد، أنه هو الدجال، كما فهمه جابر حتى صار يحلف عليه، ويستند على حلف عمر، أولا يدل؟ فيه نظر. قال: والأقرب عندي أنه لا يدل، لأن مأخذ المسألة ومَنَاطها هو العصمة من التقرير على باطل، وذلك يتوقف على تحقق البطلان، ولا يكفي فيه عدم تحقق الصحة، إلا أنْ يدعي مدع أنه يكفي في وجوب البيان عدم تحقق الصحة، فيحتاج إلى دليل، وهو عاجز عنه، نعم التقرير يسوّغ الحلف على غلبة الظن لعدم توقف ذلك على العلم.
ولا يلزم من عدم تحقق البطلان أن يكون السكوت مستوي الطرفين، بل يجوز أن يكون المحلوف عليه من قسم خلاف الأوْلى. قال الخطابي: اختلف الناس في أمر ابن صياد بعد كبره،