للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتعلق بأمر الدجال، فأخرج مسلم عن أبي نضرة عن أبي سعيد فقال: صحبني ابن صياد إلى مكة فقال لي: ماذا لقيت من الناس؟ يزعمون أني الدجال، ألستَ سمعتَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يولد له؟ قلت: بلى، قال: فإنه وقد ولد لي، قال: أولست سمعته يقول: لا يدخل المدينة ولا مكة، قلت: بلى، قال: فقد ولدت بالمدينة، وها أنا أريد مكة.

وعن أبي سعيد قال: أخذتني من ابن صياد دَمَامة، فقال: هذا عذرت الناس، مالي وأنتم يا أصحاب محمد، ألم يقل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يعني الدجال يهودي؟ وقد أسلمت، فذكر نحوه. وعن أبي سعيد أيضًا: خرجنا حُجاجًا ومعنا ابن صياد، فنزلنا منزلًا وتفرق الناس، وبقيت أنا وهو، فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال فيه، فقلت: الحر شديد، فلو وضعت ثيابك تحت تلك الشجرة، ففعل. فرفعت لنا غنم، فانطلق فجاء بُعسّ، فقال: اشرب يا أبا سعيد، فقلت: إن الحر شديد، وما بي إلاَّ أني أكره أن أشرب من يده، فقال: لقد هممت أن آخذ حبلًا فأعلقه بشجرة ثم اختنق به، مما يقول لي الناس: يا أبا سعيد، من خفي عليه حديث محمد -صلى الله عليه وسلم- ما خفي عليكم معشر الأنصار ثم ذكر نحو ما تقدم، وزاد "قال أبو سعيد حتى كدت أعذره" وفي آخر كل من الطرق الثلاثة أنه قال إني لا أعرفه وأعرف مولده، وأين هو الآن قال أبو سعيد: فقلت له: تبًا لك سائر اليوم.

وأجاب البيهقيّ عن قصة ابن صياد بعد أن ذكر ما أخرجه أبو داود عن أبي بكرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مكث أبو الدَّجال ثلاثين عامًا، لا يولد لهما" الخ، وقد مرَّ في أول الكلام على الحديث أن هذا الحديث لا تمكن صحته إلا على التجوز في قوله "فسمعنا بمولود ولد لليهود" ووقفت على ما ذكرته في فتح الباري فقال: إلا أن يحمل قوله "فسمعنا أنه ولد لليهود مولود" على تأخر السماع، وإن كان مولده سابقًا على ذلك بمدة، بحيث يأتلف مع حديث ابن عمر في الصحيح. ثم قال البيهقي: ليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي -صلى الله عليه وسلم- على حلف عمر، فيحتمل أن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- كانَ متوقفًا في أمره، ثم جاءه الثبت من الله تعالى بأنه غيره، على ما تقتضيه قصة تميم الداريّ، وبه تمسك من قال: إن الدجال غير ابن صياد، وطريقه أصح، وتكون الصفة التي في ابن صياد وافقت ما في الدجال.

وقصة تميم أخرجها مسلم عن فاطمة بنت قيس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب فذكر أن تميمًا الداري ركب في سفينة مع ثلاثين رجلًا من قومه فلعب بهم الموج شهرًا، ثم نزلوا إلى جزيرة فلقيتهم دابة كثيرة الشعر، فقالت لهم: أنا الجسّاسة، ودلتهم على رجل في الدير، قال: فانطلقنا سراعًا. فدخلت الدير، فإذا فيه أعظم إنسان، رأيناه قطّ، خلقًا، وأشده وثاقًا، مجموعةٌ يداه إلى عنقه بالحديد، فقلنا: ويلك، ما أنت؟ فذكر الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>