للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يعارضه التصريح بخلافه، فمن قال أو فعل بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا فأقره، دل ذلك على الجواز، فإن قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: إفعل خلاف ذلك، دل على نسخ التقرير، إلا إنْ ثبت دليل الخصوصية. قال ابن بطال بعد أن قرر دليل جابر: فإن قيل: مرَّ في الجنائز أن عمر قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- في قصة ابن صياد: دعني أضرب عنقه، فقال: إن يكنه فلن تسلط عليه الخ، فهذا صريح في أنه تردد في أمره، يعني فلا يدل سكوته على إنكاره عند حلف عمر على أنه هو.

قال: وعن ذلك جوابان، أحدهما أن الترديد كان قبل أن يعلمه الله تعالى أنه هو الدجال، فلما أعلمه لم ينكر على حلفه، والثاني أن العرب قد تخرج الكلام مخرج الشك، وإن لم يكن في الخبر شك، فيكون ذلك من تلطف النبي -صلى الله عليه وسلم- بعمر في صرفه عن قتله. ومما ورد مما يدل على أن ابن صياد هو الدجال، عن غير جابر، ما أخرجه عبد الرزاق، بسند صحيح عن ابن عمر قال: لقيت ابن صياد يومًا ومعه رجل من اليهود، فإذا عينه قد طفئت، وهي خارجة مثل عين الجمل، فلما رأيتها قلت: أنشدك الله يا ابن صياد، متى طفئت؟ قال: لا أدري والرحمن. قلت: كذبت، لا تدري وهي في رأسك؟ قال: فمسحها ونخر ثلاثًا، فزعم اليهوديّ أني ضربت بيدي صدره، وقلت له: اخسأ، فلن تعدو قدرك. فذكرت ذلك لحفصة، فقالتْ حفصة: اجتنب هذا الرجل، فإنما يتحدث أن الدجال يخرج عند غضبة يغضبها.

وقد أخرج مسلم هذا الحديث بمعناه من وجه آخر عن ابن عمر، ولفظه "لقيته مرتين .. " فذكر الأولى، ثم قال: لقيته أخرى وقد نفرت عينه، فقلت: متى فعلت عينك ما أرى؟ قال: ما أدري، قلت: لا تدري وهي في رأسك؟ قال: إن شاء الله جعلها في عصاك هذه، ونخر كأشد نخير حمارٍ سمعت، فزعم أصحابي أني ضربته بعصا كان معي حتى تكسرت، وأنا والله ما شعرت. قال: وجاء حتى دخل على أم المؤمنين حفصة، فحدثها فقالت: ما تريد إليه، ألم تسمع أنه قد قال: إن أول ما يبعثه على الناس غضبٌ يغضبه؟

ثم قال ابن بطال: فإن قيل: هذا أيضًا يدل على التردد في أمره، فالجواب أنه إن وقع الشك في كونه الدجال الذي يقتله عيسى بن مريم، فلم يقع الشك في أنه أحد الدجالين الكذابين الذين أنذر بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله "إنّ بين الساعة كذابين دجالين .. " الحديث الآتي في كتاب الفتن، ومحصله عدم تسليم الجزم بأنه الدجال، فيعود السؤال الأول عن جواب حلْف عمر، ثم جابر، على أنه الدجال المعهود، لكن في قصة حفصة وابن عمر دليل على أنهما أرادا الدجال الأكبر، واللام في القصة الواردة عنهما للعهد لا للجنس.

وقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن موسى بن عُقبة عن نافع قال: كان ابن عمر يقول: والله ما أشك أن المسيح الدَّجَّال هو ابن صياد. ووقع لابن صياد مع أبي سعيد الخُدريّ قصة أخرى

<<  <  ج: ص:  >  >>