أورد هذا الحديث من طريق ابن شهاب عن أبي هريرة منقطعًا، ومن طريق آخر عنه عن أبي هُريرة، فالاعتماد في المرفوع على الطريق الموصولة، وإنما أورد المنقطعة لقول ابن شهاب الذي استنبطه من الحديث، وهو قوله "إنْ كان لِغيْةِ" وقوله "مُتَوفّى" بضم الميم وفتح التاء والواو والفاء المشددة، صفة لمولود. وقوله "وإن كان لِغَيْة"، بكسر لام الجر وفتح الغين المعجمة، وقد تكسر، وتشديد المثناة التحتية، أي: لأجل غية، مفرد الغي ضد الرشد، وهو أعم من الكفر وغيره. يقال لولد الزنى ولد الغِيَّة، يعني وإن كان الولد لكافرة أو زانية، ويسمى الولد من الحلال ولد رِشْدة بكسر الراء وفتحها. قال أحد أصدقائنا: من انتمى لرِشدة فوجدا الغِية تخيير زوجه بدا:
ومراده أنه يصلى على ولد الزنى، ولا يمنع ذلك من الصلاة عليه, لأنه محكوم بإسلامه تبعًا لأمه، وكذلك من كان أبوه دون أمه.
وقال ابن عبد البر: لم يقل أحد أنه لا يصلى على ولد الزنى إلا قتادة وحده، واختلف في الصلاة على الصبي، فقال سعيد بن جُبير: لا يصلى عليه حتى يبلغ، وقيل حتى يصلي. وقال الجمهور: يصلى عليه حتى السَّقْط إذا استهل، وهذا مصير من الزهريّ إلى تسمية الزاني أبًا لمن زنى بأمه، وأنه يتبعه في الإِسلام، وهو قول مالك.
وقوله: إذا استهل صارخًا، قَيْدٌ في السَّقط الداخل في قوله "كل مولود" أي: صاح عند الولادة، حال كونه صارخًا. فقوله "صارخًا" حال مؤكدة من فاعل استهل، والمراد العلم بحياته بصياح أو غيره، كاختلاجه بعد انفصاله. وقوله: صُلِّي عليه، بضم الصاد وكسر اللام، لظهور أمارة الحياة عليه. وقوله: من أجل أنه سَقِط، بكسر السين وضمها قد تفتح، أي: جنين سَقَط قبل تمامه.
وقد قال القسطلانيّ: إن بلغ مئة وعشرين يومًا: حد نفخ الروح فيه، وجب غسله وتكفينه ودفنه، ولا تجب الصلاة عليه، بل لا تجوز، لعدم ظهور حياته، وإن سقط لدون أربعة أشهر، ووُري بخرقة ودفن فقط. وعند المالكية السقط الذي لم يستهل صارخًا، أي: تحقق حياته، يكره غسله، وتحنيطه، وتسميته، والصلاة عليه، سواء ولد بعد تمام العمل أو قبله، ويغسل ما فيه من الدم استحبابًا، ويلف بخرقة ويدفن وجوبًا.
والحركة اليسيرة والرضاع اليسير والعُطاس والبول لا دلالة فيها فطعية على الحياة، وعند الليث وابن وهب وأبي حَنيفة والشافعيّ أنّ الحركة والرضاع والعطاس استهلال، عند الحنفية إذا لم يستهل لا يغسل، ولايورث، ولا يرث، ولا يصلى عليه، ولا يسمى.