وعند الطحاويّ أن الجنين الميت يغسل، ولم يَحْكِ فيه خلافًا، وعند محمد في سقطٍ استبانَ خلقُه: يغسَل ويكفن ولا يصلى عليه. وقال أبو حنيفة إذا خرج أكثر المولود وهو يتحرك، صلى عليه، وإن خرج أقله لم يصل عليه.
وقال ابن قُدامة: السِّقط الولد تضعه المرأة ميتًا أو لغير تمام، فأما إن خرج حيًا واستهل، فإنه يصلى عليه بعد غسله بلا خلاف، وصلى ابن عمر على ابن ابنه، ولد ميتًا. وقوله: فإن أبا هريرة، رضي الله تعالى عنه، الفاء للتعليل، وهذا منقطع كما مرَّ, لأن ابن شهاب لم يسمع من أبي هُريرة، بل لم يدركه، ولم يذكره المصنف للاحتجاج به، بل للاستنباط المار منه.
وقوله: ما من مولود إلا يولد على الفطرة، مِنْ زائدة، ومولود مبتدأ، ويولد خبره، أي ما مولود يوجد على أمر من الأمور إلا على الفطرة. وفي الرواية الآتية في باب "ما قيل في أولاد المشركين": كل مولود يولد على الفطرة، والمراد به المولود من بني آدم، وصرح بذلك جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ "كل بني آدم يولد على الفطرة".
واستشكل هذا التركيب بأن ظاهره يقتضي أنّ كل مولود يقع له التهويد وغيره مما ذكر، والغرض أن بعضهم يستمر مسلمًا ولا يقع له شيء، والجواب أن المراد من التركيب أن الكفر ليس من ذات المولود، ومقتضى طبعه، بل إنما حصل بسبب خارجي، فإنْ سلم من ذلك السبب استمر على الحق، وهذا يقوي المذهب الصحيح في تأويل الفطرة، كما سيأتي.
وقوله: يولد على الفطرة، ظاهره تعميم الوصف المذكور في عموم المولودين، ولمسلم عن أبي صالح عن أبي هُريرة "ليس من مولود يولد إلا على هذه الفِطرة، حتى يعبِّر عنه لسانه". وفي رواية له من هذا الوجه "ما من مولود إلا وهو على المِلة".
وحكى ابن عبد البَرَّ عن قوم أنه لا يقتضي العموم، وإنما المراد أن كل من ولد على الفطرة، وكان له أبوان على غير الإِسلام نقلاه إلى دينهما، فتقدير الخبر على هذا: كل مولود يولد على الفطرة، وأبواه يهوديان مثلًا، فإنهما يهودانه، ثم يصير عند بلوغه إلى ما يحكم به عليه. واحتجوا بحديث أُبَي بن كعب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الغلام الذي قتله الخِضر طبعه الله يوم طبعه كافرًا"، وبما رواه سعيد بن منصور، يرفعه "أن بني آدم خلقوا طبقات، فمنهم من يولد مؤمنًا، ويحيا مؤمنًا، ويموت مؤمنًا، ومنهم من يولد كافرًا، ويحيا كافرًا ويموت كافرًا، ومنهم من يولد مؤمنًا، ويحيا مؤمنًا ويموت كافرًا. ومنهم من يولد كافرًا ويحيا كافرًا ويموت مؤمنًا. قالوا: ففي هذا الحديث، وفي غلام الخضر، ما يدل على أن الحديث ليس على عمومه، وأجيب بأن حديث سعيد بن منصور فيه ابن جدعان، وهو ضعيف، ويكفي في الرد عليهم رواية أبي صالح المتقدمة. ورواية جعفر بن ربيعة