قوله: لما حضرت أبا طالب الوفاة، قال الكرماني: المراد حضرت علامات الوفاة، وإلا فلو كان انتهى إلى المعاينة، لم ينفعه الإِيمان لو آمن، ويدل على الأول ما وقع من المراجعة بينه وبينهم. ويحتمل أن يكون انتهى إلى تلك الحالة، لكن رجا النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا أقر بالتوحيد، ولو في تلك الحالة، أن ذلك ينفعه بخصوصه، وشفاعته -صلى الله عليه وسلم-، لمكانه منه، ولهذا قال:"أُجادل لك بها" أو "أشفع لك" كما يأتي قريبًا.
ويؤيد الخصوصية أنه بعد أن امتنع من الإقرار بالتوحيد، وقال: هو على ملة عبد المطلب، ومات على ذلك، أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يترك الشفاعة له، بل شفع له حتى خفف عنه العذاب بالنسبة لغيره، وكان ذلك من الخصائص في حقه. وتأتي الرواية بذلك في السيرة.
وقوله: فوجد عنده أبا جهل، وعبد الله بن أبي أُمية، يحتمل أن يكون المسيب حضر هذه القصة، فإنّ المذكورين من بني مخزوم، وهو من بني مخزوم أيضًا، وكان الثلاثة يومئذ كفارًا، فمات أبو جهل على كفر، وأسلم الآخران، وأما قول بعض الشَّرَّاح: هذا الحديث من مراسيل الصحابة، فمردود, لأنه استدل بأن المسيب على قول مصعب من مُسْلِمة الفتح، وعلى قول العسكري ممن بايع تحت الشجرة. كما ذكره البخاري في المغازي قال: فأيًا ما كان، فلم يشهد وفاة أبي طالب, لأنه توفي هو وخديجة في أيام متقاربة، في عام واحد، والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- يومئذ نحو الخمسين.
ووجه الرد أنه لا يلزم من كون المسيب تأخر إسلامه أنْ لا يشهد وفاةَ أبي طالب، كما شهدها عبد الله بن أبي أمية، وهو يومئذ كافر، ثم أسلم بعد ذلك، وقوله: يا عم، وفي رواية: أي: عم، أمّا أي: فهي بالتخفيف، حرف نداء، وأما عم، فهو منادى مضاف، ويجوز فيه إثبات الياء وحذفها. وقوله: كلمةً، بالنصب على البدل من لا إله إلا الله، أو الاختصاص، ويجوز الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف.
وقوله: أشهد لك بها عند الله، وفي رواية القصص "أحَاجّ لك بها" أي: بتشديد الجيم، من المُحاجّة، وهي مفاعلة من الحُجّة، والجيم مفتوحة على الجزم جواب الأمر، والتقدير: أنْ تقل أُحاجّ، ويجوز الرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، وفي رواية مجاهد عند الطبريّ "أجادل عنك بها"، زاد الطبريّ عن الزُّهري، قال: أي: عمِّ، إنك أعظم الناس عليَّ حقًا، وأحسنهم عندي يدًا، فقل كلمة تجبْ لي بها الشفاعة فيك يوم القيامة" وقوله: فلم يزل يَعرضِها، بفتح أوله وكسر الراء، وعند الطبريّ عن الشعبيّ "فقال له ذلك مرارًا".
وقوله: ويعودان بتلك المقالة، أي: ويعيدانه إلى الكفر بتلك المقالة، كأنه قال: كأن قارب أنْ يقولها فيردّانه. والرواية الأولى أوضح. وعند مسلم، "فلم يزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرضها عليه، ويقول له تلك المقالة".