والآية وإن وردت في الأيمان -بالفتح- فالاستدلال بها في الإِيمان -بالكسر- واضح، للاشتراك في المعنى، إذ مدار الحقيقة فيهما على عمل القلب، وكان المصنف لمح بتفسير زَيْد بن أسْلَم، فإنه قال في قوله تعالى:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}[المائدة: ٨٩] قال: هو كقول الرجل: إن فعلت كذا فأنا كافر، قال: لا يؤاخذه الله بذلك حتى يعقِدَ به قلبه، فظهرت المناسبة بين الآية والحديث. وظهر وجه دخولهما في مباحث الإِيمان، فإن فيه دليلًا على بُطلان قول الكَرّامِيّةِ: إن الإِيمان قول فقط، ودليلًا على زيادة الإِيمان ونقصانه، لأن قوله عليه الصلاة والسلام:"أنا أعلمكم بالله" ظاهر في أن العلم بالله درجات، وأن بعض الناس فيه أفضل من بعض، وأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم منه في أعلى الدرجات، والعلم بالله يتناول ما بصفاته وما بأحكامه وما يتعلق بذلك، فهذا هو الإِيمان حقًّا.
وقال إمام الحرمين: أجمع العلماء على وجوب معرفة الله تعالى، واختلفوا في أول واجب، فقيل: المعرفة، وقيل: النظر، وقال المقترح: لا اختلاف، فإن أول واجب خطابًا ومقصودًا المعرفة، وأول واجب اشتغالًا وأداءً القصد إلى النظر، وفي نقل الإِجماع منازعة طويلة، حتى نقل جماعة الإِجماع في نقيضه، واستدلوا بإطباق أهل العصر الأول على قبول الإِسلام ممن دخل فيه من غير تَنْقيب، والآثار في ذلك كثيرة جدًّا، وأجاب الأولون عن ذلك بأن الكفار كانوا يَذُبُّون عن دينهم ويقاتلون عليه، فرجوعهم عنه دليل على ظهور الحق لهم، ومقتضى هذا أن المعرفة المذكورة يُكْتَفَى فيها بأدنى نظر، بخلاف ما قرروه، ومع ذلك فقول الله تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}[الروم: ٣٠] وحديث كل مولود يولد على الفطرة، ظاهر في دفع هذه المسألة من أصلها، وفي هذا المقصد طول، وقد أشبعنا الكلام عليه في كتاب متشابه الصفات، ويأتي مزيد الكلام عليه في كتاب التوحيد, لأنه هو مَحَلُّه الحقيقي. وقد قال النووي: في هذه الآية دليل على المذهب