الصحيح أن أفعال القلوب يؤاخَذُ بها إن استقرت، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز عن أُمّتي ماحَدَّثَت به أنفسها ما لم تَتَكَلَّم به أو تعمل" فمحمول على ما إذا لم يستقر، ويمكن أن يُستدلَّ لذلك من عموم قوله:"أو تعمل" لأن الاعتقاد هو عمل القلب.
والكلام على هذه المسألة طويل، ومحله عند قول المصنف في الرقاق باب من هَمَّ بحسنة أو بسيئة. وها أنا أريد أن أتكلم عليها هنا قبل وصول ذلك المحل، مخافة الموت قبل وصوله.
فأقول ملخصًا ما جمعه في "الفتح": أخرج البخاري في الباب المذكور عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فيما يرويه عن ربّه عَزَّ وَجَلَّ، قال:"إن الله عَزَّ وَجَلَّ كتب الحسنات وكتب السيئات، ثم بين ذلك، فمن هَمَّ بحسنة فلم يعملْها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن همَّ بها وعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبع مئة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها له سيئة واحدة" والهم بالحسنة قيل: المراد به العزم لا مطلق الهم والإِرادة، لما أخرجه أحمد وصححه ابن حِبّان والحاكم من حديث خُرَيْم بن فاتِك رفعه:"ومَنْ هم بحسنة يعلم الله أنه قد أشعر بها قلبه وحَرَص عليها" وقد تَمَسَّك به ابن حِبّان، فقال بعد إيراد حديث الباب في "صحيحه": المراد بالهم هنا العَزْم، ويحتمل أن الله يكتب الحسنة بمجرد الهم بها، وإن لم يعزم عليها، زيادة في الفضل. وقال الطوفي: إنما كتبت الحسنة بمجرد الإِرادة، لأن إرادة الخير سبب إلى العمل، وإرادة الخير خير، لأن إرادة الخير من عمل القلب، واستشكل بأنه إذا كان كذلك فكيف لا تُضاعف لعموم قوله:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[الأنعام: ١٦٠] وأجيب يحمل الآية على عمل الجوارح، والحديث على مجرد الهم، لاقتضاء قوله:{مَنْ جَاءَ} على اختصاص التَّضْعيف بالمجيء، واستشكل أيضًا بأن عمل القلب إذا اعتبر في حصول الحسنة فكيف لا يُعتَبرُ في حصول