للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السيئة؟ وأجيب بأن ترك عمل السيئة التي وقع الهم بها يكفرها، لأنه قد نسخ قصده السيئة، وخالف هواه، ثم ظاهر الحديث حصول الحسنة مع مجرد الترك، سواء كان ذلك لمانع أم لا، ويتجه أن يقال: يتفاوت عظم الحسنة بحسب المانع، فإن كان خارجيًّا مع بقاء قصد الهم بفعل الحسنة فهي عظيمة القدر، ولا سيما إن قارنها ندم على تفويتها، واستمرت النية على فعلها عند القدرة، وإن كان الترك من الذي هَمَّ من قِبَل نفسه فهي دون ذلك إلا إن قارنَهَا قصد الإِعراض عنها جملة، والرغبة عن فعلها، ولا سيما إن وَقَع العمل في عكسها، كان يريد أن يتصدق بدرهم مثلًا فصرفه بعينه في معصية، فالذي يظهر في الأخير أنه لا تكتب له حسنة أصلًا، وأما ما قبله فعلى الاحتمال.

قال النّووي: أشار بقوله: "عنده" إلى مزيد الاعتناء والشرف، وبقوله: "كاملة" إلى تعظيم الحسنة، وتأكيد أمرها، وعكس في السيئة فلم يصفها بكاملة، بل أكدها بقوله: "واحدة" إشارة إلى تخفيفها، مبالغة في الفضل والإِحسان، ومعنى قوله: "كتبها الله" أمر الحفظة بكتابتها، بدليل حديث أبي هُريرة المذكور في التوحيد: "إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتُبوها عليه حتّى يَعْمَلَها" وفيه دليل على أن المَلَكَ يطَّلِعُ على ما في قلب الآدمي، إما بإطلاع الله إياه، أو بأن يخلُق له علمًا يُدْرِكُ به ذلك، ويؤيد الأول ما أخرجه ابن أبي الدُّنيا عن أبي عِمْران الجَوْني قال: يُنادي المَلَكُ اكتب لفلان كذا وكذا، فيقول: يا ربِّ لم يعملْه، فيقول: إنه قد نواه. وقيل: بل يجد المَلَك للهَمِّ بالسيئة رائحة خبيثة، وبالحسنة رائحة طيبة. وأخرج ذلك الطبري عن أبي مَعْشَرٍ المَدَني، وجاء مثله عن سفيان بن عُيينة، وفي شرح مُغْلُطاي أنه ورد مرفوعًا.

وقوله: "إلى أضعاف كثيرة" في حديث أبي ذر عند مسلم رفعه: "مَنْ عمل حسنةً فله عشرة أمثالها وأزيد" وهذا يدُلُّ على أن تضعيف حسنة العمل إلى عشرة مجزوم به، وما زاد عليها جائز وقوعه بحسب الزيادة في الإِخلاص وصدق العزم وحضور القلب وتعدي النفع، كالصدقة

<<  <  ج: ص:  >  >>