ضمير عائد إلى الثقب، كما يقال: مررت بامرأة يتضوع من أردانها طيبًا، أي يتضوع طيبٌ من أردانها، فكأنه قال: يتوقد ناره تحته، فيصح نصب نارًا على التمييز. ويجوز أن يكون فاعل يتوقِد موصولًا تحته، فحذف، وبقيت صلته دالة عليه لوضوح المعنى، والتقدير يتوقد الذي تحته نارًا، وهو على التمييز أيضًا، وذكر لحذف الموصول في مثل هذا عدة شواهد.
وقوله: فإذا اقترب ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، اقترب من القرب، وهي رواية أب ذرٍ والأصيليّ، والضمير في اقترب يرجع إلى الوقود، أو الحر الدال عليه قولُه "يتوقد"، وفي رواية القابسيّ وابن السكن وعَبْدوس "فإذا اقترب" بالفاء والتاء المثناة من فوق، أي: فإذا خمدت، وأصله من الفترة، وهو الانكسار والضعف. وقد فتر الحر وغيره يَفْتُر فتورًا، وفَتَّره الله تفتيرًا، وقال ابن التين بالقاف، قترت، ومعناه ارتفعت، من القَتَرة وهو الغبار. وقال الجوهري: قتر اللحم يَقْتِر بالكسر، إذا ارتفع قُتَاره، والقتار ريح الشُّواء.
وقال ابن التين: وأما فترت، بالفاء، فما علمت له وجهًا؛ لأن بعده "فإذا خمدت رجعوا" ومعنى خمدت وفترت واحد، وعند النسفي: فإذا أُوقدت ارتفعوا، وقال الطيبي في شرح المشكاة: فإذا ارتقت، من الارتقاء، وهو الصعود. ثم قال: كذا في الحميدي وجامع الأصول، وهو الصحيح رواية ودراية.
وقوله:"حتى كادوا أن يخرجوا"، أي كاد خروجهم، والخبر محذوف، أي كاد خروجهم يتحقق، قال الطيبيّ وفي نسخ المصابيح حتى يكادوا يخرجوا، وحقه إثبات النون، اللهم إن يحتمل، ويقدّر "أن يخرجوا" تشبيهًا لكاد بعسى، ثم حذف أن وترك على حاله، وفي التوضيح: وروي بإثبات النون. وقوله: فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم، وفيه رجل قائم على وسط النهر، قال يزيد ووهب بن جرير عن جرير بن حازم "وعلى شط النهر رجل"، وهذا التعليق ثبت عن هذين في رواية أبي ذرٍ، فأما حديث يزيد، وهو ابن هارون، فوصله أحمد عنه، فساق الحديث بطوله. وفيه "فإذا نهر من دم فيه رجل وعلى شط النهر رجل" وأما حديث وهب بن جرير فوصله أبو عُوانة في صحيحه, فساق الحديث بطوله، وفيه:"حتى ينتهي إلى نهر من دم، ورجل قائم في وسطه، ورجل قائم على شاطىء النهر" الحديث. وأصل الحديث في مسلم عن وهب لكن باختصار.
وقوله:"فانطلقنا حتى انتهيا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة .. إلخ"، وفي التعبير "فأتينا على روضة معتمة" أي بضم الميم وسكون المهملة وكسر المثناة وتخفيف الميم بعدها هاء تأنيث، ولبعضهم بفتح المثناة وتشديد الميم، يقال: اعتمَّ النبت إذا اكتهل، ونخلة عَتِيمة طويلة. وقال الداودي: اعتمت الروضة: غطاها الخصب، وهذا كله على الرواية بتشديد الميم. قال ابن التين: ولا يظهر للتخفيف وجه، والذي يظهر أنه من العتمة، وهو شدة الظلام، فوضعها بشدة الخضرة، كقوله تعالى:{مُدْهَامَّتَانِ} وضبط ابن بطال "روضة مُغِنّة" بكسر الغين المعجمة وتشديد النون، ثم نقل عن ابن دريد: واد أغرّة ومُغِنّ، إذا كثر شجره. وقال الخليل: روضة غناء كثيرة العشب.