وقوله:"وفي أصلها شيخ وصبيّانٍ، وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها، فصعدا بي في الشجرة وأدخلاني دارًا الخ ... "، وفي التعبير:"وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولًا في السماء، وإذا الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط" قال الطيبي: أصل هذا الكلام: "وإذا حول الرجل وِلدان ما رأيت ولدانًا قط أكثر منهم"، ونظير قوله:"لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن" ولما كان هذا التركيب يتضمن معنى النفي جازت زيادة من وقَط التي تختص بالماضي المنفي. وقال ابن مالك: جاز استعمال قط في المثبت في هذه الرواية، وهو جائز، وغفل بعضهم عن ذلك فخصوه بالماضي المنفي، والذي وجهه به الطيبي حسن جدًا، ووجهه الكرمانيّ بأنه يجوز أن يكون اكتفى بالنفي الذي يلزم من التركيب، إذ المعنى "ما رأيتهم أكثر من ذلك" أو النفي مقدر، وسبق نظيره في صلاة الكسوف "فصلى بأطول قيام رأيته قط".
وقوله:"وأدخلاني دارًا لم أر قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشبان ونساء وصبيان، وفي التعبير "فانتهينا إلى مدينة مبنية بلَبن ذهب ولبن فضة، فأتينا بابَ المدينة، فاستفتحنا ففتح لنا، فدخلناها، فتلقانا فيها رجال، شطرٌ من خلقهم كأحسن ما أنت راءٍ، وشطر كاقبح ما أنت راءٍ. اللَّبِن بفتح اللام وكسر الموحدة جمع لَبَنة، وأصلها ما ينبى به، وفي التعبير قال: قالا لهم اذهبوا، فوقعوا فيه، ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة.
وقوله:"شطر من خَلقهم، بفتح الخاء وسكون اللام بعدها قاف، أي هيئتهم، وقوله: شطر، مبتدأ، وكأحسن الخبر، والكاف زائدة، والجملة صفة رجال، وهذا الإطلاق يحتمل أن يكون المراد أن نصفهم حسن كله، ونصفهم قبيح كله، ويحتمل أن يكون كل واحد منهم نصفه حسن ونصفه قبيح، والثاني هو المراد، ويؤيده قوله في صفتهم: هؤلاء قوم خَلَطوا، أي عمل كل منهم عملًا صالحًا، وخلطه بعمل سيء.
وقوله: "فقعوا في ذلك النهر"، بصيغة فعل الأمر بالوقوع، والمراد أنهم ينغمسون فيه ليغسل تلك الصفة بهذا الماء الخاص. وقوله: "نهر معترض" أي: يجري عرضًا، وقوله: "كأنَّ ماءه المَحْض" بفتح الميم وسكون المهملة بعدها صاد معجمة، هو اللَّبَن الخالص عن الماء، حلوًا كان أو حامضاً، وقد بين جهة التشبيه بقوله: من البياض. وفي رواية النَّسَفِي والإسماعيليّ "في البياض" قال الطيبيّ: كأنهم سموا اللَّبَن بالصفة، ثم استعمل في كل صاف، قال: ويحتمل أن بالماء المذكور عفو الله عنهم، أو التوبة منهم، كما في الحديث "اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد".
وقوله: "ذهب ذلك السوء عنهم"، أي: صار القبيح كالشطر الحسن، فلذلك قال: وصاروا في أحسن صورة. وقوله: قال قالا لي، هذه جنة عدن، وهذا منزلك، قال: فسما بصري صًعُدًا فإذا قصر مثل الرَّبابة البيضاء، قال: قالا لي: هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما، ذراني فأدخله، قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله. وقوله: فسما، بفتح السين المهملة وتخفيف