أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه بلفظ:"إنّما الدُّنيا لأربعة" فذكر الحديث وفيه: "وعَبْدٌ رزقه الله مالًا ولم يرزقه علمًا، فهو يعمل في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه، ولا يَصِلُ فيه رَحِمَه، ولا يرى لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل، ورجل لم يرزُقهُ الله مالًا ولا علمًا، فهو يقول: لو أنّ لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان، فهما في الوزر سواء" فقيل: الجمع بين الحديثين بالتنزيل على حالتين، فتحمل الحالة الأولى على من هم بالمعصية هما مجردًا من غير تصميم، والحالة الثانية على من صمم على ذلك وأصَرَّ عليه، وهو موافِق لما ذهب إليه البَاقِلّاني وغيره. قال المازَرِيّ: ذهب ابن الباقلّاني ومن تبعه إلى أن من عَزَمَ على المعصية بقلبه ووَطَّن عليها نفسه أنه يأثم, وحمل الأحاديث الواردة في العفو عمن هم بسيئة على الخاطر الذي يمرُّ بالقلب، ولا يستقرُّ. قال المازَرِيّ: وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، ونُقِل ذلك عن نَصِّ الشافعِيّ. ويؤيده ما أخرجه مسلم عن أبي هُريرة بلفظ:"فأنا أغفرها له ما لم يعملها" فإن الظاهر أن المراد بالعمل هنا عمل الجوارح بالمعصية المهموم بها، وتعقبه عِياض بأن عامة السلف وأهل العلم على ما قال ابن الباقِلّانيّ لاتفاقهم على المؤاخذة بأفعال القلوب، لكنهم قالوا: إن العزم على السيئة يكتب سيئة مجردة لا السيئة التي هم أن يعملها، كمن يأمر بتحصيل معصية ثم لا يفعلها بعد حصولها فإّنه يأثم بالأمر المذكور لا بالمعصية، ويدل على ذلك حديث:"إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" الخ. فإنه يعاقب على عزمه بمقدار ما يستحقه، ولا يُعاقب عقاب من باشر بالقتل حِسًّا، ويأتي الكلام مستوفىً على هذا الحديث قريبًا.
وهنا قسم آخر، وهو من فعل المعصية ولم يَتُب منها، ثم هَمَّ أن يعود إليها، فإنه يُعاقب على الإِصرار كما جَزَمَ به ابن المبارك وغيره في تفسير قوله تعالى:{وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا}[آل عمران: ١٣٥] ويؤيده أن الإِصرار معصية اتفاقًا، فَمن عزم على المعصية وصمم عليها كتبت عليه سيئة، فإذا عملها كتبت معصية ثانية، قال النَّوَويّ: وهذا ظاهر حسن لا