للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على عمر حين طُعِن، وعند ابن سعد عن جُوَيْرية بن قُدَامة "فدخل عليه الصحابة، ثم أهل المدينة، ثم أهل الشام ثم أهل العراق، فكلما دخل عليه قومٌ بكوا، وأثنوا عليه".

وفي رواية أبي إسحاق عند ابن سعد: "فأتاه كعب الأحبار فقال: ألم أقل لك إنك لا تموت إلا شهيدًا وإنك تقول: من أين وإنّي في جزيرة العرب؟ وقوله: "جاء رجل شاب"، وفي رواية سِماك الحنفيّ عن ابن عباس عند ابن سعد أنه أثنى على عمر فقال له نحوًا مما قال هنا للشاب، فلو لم يكن في رواية الباب من الأنصار لساغ أن يفسر المبهم بابن عباس، لكن لا مانع من تعدد المُثْنين مع اتحاد جوابه، كما تقدم.

ويؤيده أنّ في قصة هذا الشاب أنه لما ذهب رأى عمر إزاره يصل إلى الأرض، فأنكر عليه، ولم يقع ذلك في قصة ابن عباس. وقوله: "كان من القِدَم في الِإسلام ما قد علمت، ثم استخلفت فعدلت، ثم الشهادة بعد هذا كله"، والقِدِم بفتح القاف وكسرها، فالأول بمعنى الفضل والثاني بمعنى السبق، وقوله: "ليتني يا ابن أخي، وذلك كِفَافًا، لا عليّ، ولا لي"، تفسير للكَفاف، بفتح الكاف أي: سواء بسواء. وفي رواية المناقب زيادة "فلما أدبر إذا إزاره يَمَسّ الأرض قال: ردوا عليّ الغلام، قال: يا ابن أخي، ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك" وفي إنكاره على الغلام ما كان عليه من الصلابة في الدين، وأنه لم يشغله ما هو فيه من الموت عن الأمر بالمعروف.

وفي رواية المبارك بن فضالة قال ابن عباس: وإن قلت ذلك فجزاك الله خيرًا أليس قد دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يعز بكَ الدين؟ والمسلمين إذ يخافون بمكة، فلما أسلمت كان إسلامك عزًا، وظهر بك الإِسلام، وهَاجرت فكانت هجرتك فتحًا، ثم لم تغلب عن مشهد شهده رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من قتال المشركين ثم قُبِض وهو عنك راضٍ، ووازرت الخليفة بعده على منهاج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فضربت من أدبر بمن أقبل، ثم قبض الخليفة وهو عنك راض، ثم وُلِّيتَ بخير ما ولي الناس، مَصَرَّ الله بك الأمصار، وجبا بك الأموال، ونقى بك العدو، وأدخل بك على أهل كل بيت ما يوسعهم في دينهم وأرزاقهم، ثم ختم لك بالشهادة، فهنيئًا لك. فقال: إن المغرور والله من تغرونه، ثم قال: أتشهد لي يا عبد الله عند الله يوم القيامة؟ فقال: نعم فقال: اللهم لك الحمد.

وفي رواية مبارك بن فَضالة أيضًا قال الحسن البصري؛ وذكر له فعل عمر عند موته، وخشيته من ربه، فقال: هكذا المؤمن، جمع إحسانًا وشفقة، والمنافق جمع إساءة وعزة، والله ما وجدت إنسانًا ازداد إحسانًا إلا ازداد مخافة وشفقة، ولا ازداد إساءة إلا ازداد عزة. وقوله: "لا أعلم أحدًا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ"، وفي رواية "المناقب" فقالوا: أوصي يا أمير المؤمنين، استخلف وسيأتي في الأحكام ما يدل على أن الذي قال له ذلك هو عبد الله بن عمر.

وروى عمر بن مَشيّة بإسناد فيه انقطاع أن أسْلَمَ مولى عمر، قال لعمر حين وقف لم يُوَلِّ أحدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>