بالمعصية فيه خالف الواجب بانتهاك حرمته، وتعقب هذا بأن تعظيم الله آكد من تعظيم الحرم، ومع ذلك من هم بمعصية لا يؤاخذه، فكيف يؤاخذ بما دونه؟ وأجيب عن هذا بأن انتهاك حرمة الحرم بالمعصية مستلزم انتهاك حرمة الله تعالى، لأن تعظيم الحرم من تعظيم الله تعالى، فصارت المعصية في الحرم أشد من المعصية في غيره، وإن اشترك الجميع في ترك تعظيم الله تعالى، نعم من هم بالمعصية قاصدًا الاستخفاف بالحرم عصى، ومن هم بمعصية الله قاصدًا الاستخفاف بالله كفر، وإنما المعفو عنه من هم بمعصية ذاهلًا عن قصد الاستخفاف، وقوله في حسنة ترك المعصية:"حسنة كاملة"، المراد بالكمال فيها عظم القدر لا التضعيف، لأنه خاص بحسنة العمل بالجوارح كما مر، وقوله في الحديث المار:"كتبها الله سيئة واحدة" زاد مسلم عن أبي ذَرّ: "فجزاؤه بمثلها، أو أغفر" وفي حديث ابن عباس عنده: "أو يمحوها" والمعنى أن الله يمحوها بالفضل أو بالتوبة أو بالاستغفار أو بعمل الحسنة التي تكفرها، والأول أشبه لظاهر حديث أبي ذر، ويستفاد من التأكيد بقوله:"واحدة" أن السيئة لا تضاعف كما تضاعف الحسنة، وهو على وفق قوله تعالى:{فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا}[الأنعام: ١٦٠] وذكر ابن عبد السلام في "أماليه" أن فائدة التأكيد دفع توهم من يظن أنه إذا عمل السيئة كتب عليه سيئة العمل، وأضيفت إليها سيئة الهم، وليس كذلك، إنما يكتب عليه سيئة واحدة، واستثنى بعض العلماء وقوع المعصية في الحرم المكي، قال إسحاق بن منصور: قلت لأحمد: هل ورد في شيء من الحديث أن السيئة تكتب بأكثر من واحدة؟ قال: لا ما سمعت إلا بمكة لتعظيم البلد، والجمهور على التعميم في الأزمنة والأمكنة، لكن قد يتفاوت بالعظم، ولا يرد على ذلك قوله تعالى:{مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}[الأحزاب: ٣٠] لأن ذلك ورد تعظيمًا لحق النبي - صلى الله عليه وسلم - , لأن وقوع ذلك من نسائه يقتضي أمرًا زائدًا على الفاحشة، وهو أذى النبي - صلى الله عليه وسلم -. هذا ملخص ما قيل في هذه المسألة.