للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه النزاع، فذهبت طائفة إلى عدم المؤاخذة بذلك أصلًا، ونقل عن نص الشافعي، ويؤيده ما وقع في حديث خُرَيْم بن فاتِك المنبه عليه قبل، فإنه حيث ذكر الهم بالحسنة قال: "يعلم الله أنه قد أشعرها قلبه، وحرص عليها" وحيث ذكر الهم بالسيئة لم يقيد بشيء بل قال فيه: "ومن هم بالسيئة لم تكتب عليه" والمقام مقام الفضل، فلا يَليق التحجير فيه، وذهب كثير من العلماء إلى المؤاخذة بالعزم المصمم، وسأل ابن المبارك سفيان الثوري: أيؤاخذ العبد بما يَهتُم به؟ قال: إذا جزم بذلك، واستدل كثير منهم بقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] وحملوا حديث أبي هُريرة الصحيح المرفوع: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم" على الخطرات كما مرَّ، ثم افترق هؤلاء، فقالت طائفة: يعاقب عليه صاحبه في الدنيا خاصة بنحو الهم والغم، وقالت طائفة: يعاقب عليه في الآخرة لكن بالعتاب، واستدلوا بحديث النجوى، وقال السُّبكي الكبير: والعزم وهو قوة ذلك القصد أو الجزم ورفع التردد. قال المحققون: يؤاخذ به، وقال بعضهم: لا، واحتج بقول أهل اللغة: هَمَّ بالشيء عزم عليه، وهذا لا يكفي، قال: ومن أدلة الأول إذا التقى المسلمان بسيفيهما ففيه: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" فَعَلَّلَ بالحرص، واحتج بعضهم بأعمال القلوب، ولا حجة معه, لأنها على قسمين: أحدهما لا يتعلق بفعل خارجي وليس البحث فيه، والثاني يتعلق بالملتقيين عزم كل منهما على قتل صاحبه واقترن بعزمه فعل بعض ما عزم عليه، وهو شهر السلاح، وإشارته به إلى الآخر، فهذا الفعل يؤاخذ به، سواء حصل القتل أو لم يحصُل.

واستثنى جماعة ممن ذهب إلى عدم مؤاخذة من وقع منه الهم بالمعصية ما وقع في الحرم المكي ولو لم يصمم، لقوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: ٢٥] ذكره السُّدّي في "تفسيره" عن ابن مسعود، وأخرجه أحمد من طريقه مرفوعًا، ومنهم من رجحه موقوفًا، ويؤيد ذلك أن الحرم يجب اعتقاد تعظيمه، فمن هم

<<  <  ج: ص:  >  >>