كان غير متعدٍ، غير هذا الحرف ووَسِع، فلما شذا دون نظائرهما، أعطيها هذا الحكم. وقيل: أصله يَوْطِىء، بكسر الطاء، فسقطت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة، ثم فتحت الطاء لأجل الهمزة.
والأخفاف جمع خف، وهو للإبل كالظلف للغنم والبقر، والحافر للحمار والبغل والفرس، والقدم للآدمي. وفي رواية همام عن أبي هريرة في ترك الخيل فتخبط وجهه بأخفافها, ولمسلم عن أبي صالح عنه "ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها منها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاعٍ قَرْقَرٍ، أو فر ما كانت، لا يفقد منها فصيلًا واحدًا، تطؤه بأخفافها وتعضده بأفواهها، كلما مرت عليه أولاها ردت عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضي الله بين العباد، ويرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار".
وللمصنف من حديث أبي ذَرٍّ "إلا أُتي بها يوم القيامة أعظم ما كانت، وأسمنه" ورواية مسلم هذه "كلما مرت عليه أُولاها ردت عليه أُخراها" قال عياض: قالوا هو تغيير وتصحيف، وصوابه ما في رواية سُهيل عن أبيه "كلما مرَّ عليه أُخراها رد عليه أُولاها" وبهذا ينتظم الكلام، وكذا وقع عند مسلم من حديث أبي ذَرٍّ أيضًا، وأقره النوويّ على هذا، وحكاه القُرطبيّ، وأوضح وجه الرد بأنه إنما يرد الأول الذي قد مرَّ قبل، وأما الآخر، فلم يمر بعد، فلا يقال فيه رد، ثم أجاب بأنه يحتمل أن المعنى أن أول الماشية إذا وصلت إلى آخرها تمشي عليه، تلاحقت بها أخراها، ثم إذا أرادت الأولى الرجوع بدأت الأخرى بالرجوع، فجاءت الأُخرى أول حتى تنتهي إلى آخرِ الأولى.
وكذا وجهه الطيبي فقال: إن المعنى أنَّ أُولاها إذا مرت على التتابع إلى أن تنتهي إلى الأُخرى، ثم ردت الأُخرى من هذه الغاية، وتبعها ما يليها إلى أن تنتهي أيضًا إلى الأُولى، هكذا قيل. ولم يتضح لي غاية الاتضاح.
وقوله: وتأتي الغنم تطأه بأظلافها، وتنطِحه بقرونها، بكسر الطاء من تنطحه، ويجوز الفتح، زاد في رواية أبي صالح المذكورة:"ليس فيها عقصاء ولا جَلحاء ولا عضباء، تنطحه بقرونها". وزاد فيه ذكر البقر أيضًا، وذكر في البقر والغنم ما ذكر في الإبل، وسيأتي ذكر البقر في حديث أبي ذَرٍّ في باب مفرد.
وقوله:"ومن حقها أنْ تُحلب على الماء" بحاء مهملة، أي لمن يحضرها من المساكين، وإنما خص الحلب بموضع الماء ليكون أسهل على المحتاج من قصد المنازل، وأرفق بالماشية، لكونه أوسع عليها. وذكره الداوديّ بالجيم، وفسره بإحضارها عند الماء للمصدق، ولو كان هذا هو المراد، لقال "إلى" بدل "على" وجزم ابن دَحْية بأنه تصحيف، وعند أبي داود عن أبي هُريرة ما يؤذن بأن هذه الجملة مرفوعة، ولفظه "قلنا: يا رسول الله، ما حقها؟ قال: إطراق فحلها، وإعارة دلوها ومنحتها، وحلبها على الماء، وحمل عليها في سبيل الله" وستأتي في أواخر الشرب هذه القطعة وحدها مرفوعة من وجه آخر، عن أبي هريرة. ودلت هذه القطعة على أن في المال حقًا سوى الزكاة.