للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الرجل والمرأة. وفي هذا الحديث جواز استعمال الثدي للرجل والمرأة. وهو الصحيح، وقال العسكري: لا يقال ثدي إلا في المرأة. ويقال في الرجل ثُنْدُؤة. والثديّ يذكر ويؤنث.

وقوله: "من مُفْضِ" بضم النون وسكون المعجمة بعدها ضاد معجمة، العظم الدقيق الذي على طرف الكتف، أو على أعلى الكتف. قال الخطابيّ: هو الشاخص منه، وأصل النَّفْض الحركة، فسمى ذلك الموضع نفضًا؛ لأنه يتحرك بحركة الإنسان. وقوله: "يتزلزل" أي: يضطرب ويتحرك، وفي رواية الإسماعيليّ: فيتجلجل، بجيمين. وزاد إسماعيل في هذه الرواية: "فوضع القوم رُؤوسهم، فما رأيت أحدًا منهم رجع إليه شيئًا، قال: فأدبر فاتَّبَعْتُه حتى جلس إلى سارية.

وقوله: "وأنا لا أدري مَنْ هو، زاد مسلم فقلت: مَنْ هذا؟ قالوا: أبو ذَرٍّ، فقمت إليه. فقلت: ما شيء سمعتك تقوله؟ قال: ما قلت إلا شيئًا سمعته من نبيهم -صلى الله عليه وسلم-. وفي هذه الزيادة رد لقول منْ قال إنه موقوف على أبي ذرٍّ، فلا يكون حجة على غيره، ولأحمد عن يزيد الباهليّ عن الأحنف "كنت بالمدينة، فإذا رجل يفر منه الناس حين يرونه، قلت: منْ أنت؟ قال: أبو ذَرٍّ، قلت: ما تَفرَّ الناس منك؟ قال: إني أنهاهم عن الكنوز التي كان ينهاهم عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

وقوله: "إنهم لا يعقلون شيئًا" بيّن وجه ذلك في آخر الحديث حيث قال: إنما يجمعون الدنيا. وقوله: "لا أسألهم دنيا" وفي رواية إسماعيل "فقلت: مالك ولإِخوانك من قريش لا تعتريهم ولا تصيب منهم؟ قال: وربك لا أسالهم دنيا الخ". قوله: "ومَنْ خَليلك؟ قال: النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأعلى" قال: هو أبو ذَرٍّ والنبي -صلى الله عليه وسلم- خبر لمبتدأ، كأنّه قال: خليلي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسقط بعد ذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا أبا ذَرٍّ" أو سقط "قال" فقط، وكأن بعض الرواة ظنها مكررة فحذفها ولابد من إثباتها.

وقوله: "يا أبا ذر، أتبصر أحدًا؟ " هذا طرف من حديث مستقل، أخرجه المصنف في كتاب الرقاق، وسأتكلم عليه قريبًا إن شاء الله تعالى. وإنما أورده أبو ذر للأحنف، لتقوية ما ذهب إليه من ذم اكتناز المال. وهو ظاهر في ذلك، إلا أنه ليس على الوجوب، ومن ثَمَّ عقبه المصنف بالترجمة التي تليه، فقال: باب إنفاق المال في حقه، وأورد فيه الحديث الدال على الترغيب في ذلك، وهو من أدل دليل على أن أحاديث الوعيد محمولة على مَنْ لا يؤدي الزكاة، وأما حديث "ما أحب أنّ لي أحُدًا ذهبًا" فمحمول على الأولوية؛ لأن جمع المال، وإن كان مباحًا، لكن الجامع مسؤول. وفي المحاسبة خطر وإن كان الترك أسلم. وما ورد من الترغيب في تحصيله وإنفاقه في حقه فمحمول على مَنْ وثق بأنه يجمعه من الحلال الذي يأمن خطر المحاسبة عليه، فإنه إذا أنفقه، حصل له ثواب ذلك النفع المتعدي، ولا يتأتى ذلك لمن لم يحصل شيئًا، وقد مرَّ عند حديث ابن عمر السابق "طهرًا للأموال" الجمع بينه وبين هذا الحديث.

وقال الزين بن المنير: في هذا الحديث حجة على جواز إنفاق جميع المال، وبذله في الصحة، والخروج عنه بالكلية في وجوه البر، ما لم يؤد إلى حرمان الوارث، ونحو ذلك مما منع منه

<<  <  ج: ص:  >  >>