قد تابع عبد الله بن المثنى على حديثه هذا حمّادُ بن سَلَمة، فرواه عن ثُمامة أنه أعطاه كتابًا، زعم أن أبا بكر كتبه لأنس، وعليه خاتم النبي -صلى الله عليه وسلم-، حين بعثه مُصَدَقًا، فذكر الحديث، هكذا أخرجه أبو داود عن أبي سلمة عنه. ورواه أحمد في مسنده عن حماد قال: أخذت هذا الكتاب من ثُمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس أنّ أبا بكر ... فذكره، وقال إسحاق بن راهويه في مسنده عن حمّاد بن سَلَمة: أخذنا هذا الكتاب من ثمامة يُحَدِّثُه عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكره، فوضح أن حمّادًا سمعه من ثُمامة وأقرأه الكتابَ، فانتفى تعليل من أعلّه بكونه مكاتبة، وانتفى تعليل من أعله يكون عبد الله بن المثنى لم يتابع عليه.
قوله:"لما وجهه إلى البحرين" أي: عاملًا عليها، وهو اسم لإقليم مشهور يشتمل على مدن معروفة، قاعدتها هجر، وهكذا ينطق بها بلفظ التثنية، والنسبة إليه بحرانيّ. وقوله:"بسم الله الرحمن الرحيم" قال الماورديّ: يستدل به على إثبات البسملة في ابتداء الكتب، وعلى أن الابتداء بالحمد ليس بشرط، قوله:"هذه فريضة الصدقة" أي: نسخة فريضة، فحذف المضاف للعلم به، وفيه أن اسم الصدقة يطلق على الزكاة خلافًا لمن منع ذلك من الحنفية.
وقوله:"التي فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين" ظاهر في رفع الخبر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه ليس موقوفًا على أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وقد صرّح برفعه في رواية إسحاق المتقدم ذكرها، ومعنى فرض هنا، أوجب أو شرع، يعني بأمر الله تعالى. وقيل: معناه قَدّر لأن إيجابها ثابت بالكتاب، ففرض النبي -صلى الله عليه وسلم- لها بيانُه للمجمل من الكتاب، بتقدير الأنواع والأجناس.
وأصل الفرض قطع الشيء الصُّلب، ثم استعمل في التقدير، لكونه مقتطعًا من الشيء الذي يقدر منه، ويرد بمعنى البيان كقوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وبمعنى الإنزال كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} وبمعنى الحل كقوله تعالى: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} وكل ذلك لا يخرج عن معنى التقدير.
ووقع استعمال الفرض بمعنى اللزوم حتى كاد يغلب عليه، وهو لا يخرج أيضًا عن معنى التقدير، وقال الراغب: كل شيء ورد في القرآن فَرْض على فلان، فهو بمعنى الإلزام، وكل شيء ورد فرض له فهو بمعنى لم يُحَرِّمه عليه، وذكر أن معنى قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} أوجب عليك العمل به. وهذا يؤيد قول الجمهور: إن الفرض مرادف للوجوب.
وتفريق الحنفية بين الفرض والواجب باعتبار ما يثبتان به لا مشاحة فيه، وإنما النزاع في حمل ما ورد من الأحاديث الصحيحة على ذلك؛ لأن اللفظ السابق لا يحمل على الاصطلاح الحادث. وقوله:"على المسلمين" استدل به على أن الكافر ليس مخاطبًا بذلك، وتعقب بأن المراد بذلك، كونُها لا تصح منه، لا أن المراد أنه لا يعاقب عليها، وهو محل النزاع.