وقوله:"فقال رجل" لم يعرف اسمه. وقوله:"أو يأتي الخير بالشر" بفتح الواو، والهمزة للإستفهام، والواو عاطفة على شيء مقدر، أي تصير النعمة عقوبة، لأن زهرة الدنيا نعمة من الله تعالى، فهل تعود هذه النعمة نقمة؟ وهو استفهام استرشاد لا إنكار. والباء في قوله:"بالشر" صلة ليأتي، أي: هل يستجلب الخيرُ الشرَ؟ وقوله:"فَرُئينا" أي: بضم الراء وكسر الهمزة. وفي رواية الكشميهنيّ: فأُرينا، بضم الهمزة.
وفي رواية مالك "حتى ظننت أو ظننا" وقوله: "فمسح عنه الرُّحَضَاء"، وفي رواية مالك "ثم جعل يمسح عن جبينه" في رواية الدارقطني "العرق" والرُّحَضاء، بضم الراء وفتح المهملة ثم المعجمة والمد، هو العرق. وقيل: الكثير، وقيل: عرق الحمّى، وأصل الرَّحْض، بفتح ثم سكون، الغسل. ولهذا فسره الخطابيّ بأنه عَرَقٌ يَرْحَضُ الجلد لكثرته. وقوله:"وكأنه حمده" وفي رواية الرقاق: لقد حمدناه حين طلع لذلك. وفي رواية المستملي: حين طلع ذلك.
والحاصل أنهم لاموه أولًا حيث رأوا سكوت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فظنوا أنه أغضبه، ثم حمدوه آخرًا لمّا رأوا مسألته سببًا لاستفادة ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-. وأما قوله:"وكأنه حمده" فأخذوه من قرينة الحال. وقوله:"إنه لا يأتي الخير بالشر" وفي رواية مالك: لا يأتي الخير إلا بالخير. وفي رواية الدارقطني تكرار ذلك ثلاث مرات، ويؤخذ منه أن الرزق، ولو كثر، فهو من جملة الخير، وإنما يعرض له الشر بعارض البخل به عمن يستحق، والإسراف في إنفاقه فيما لم يشرع، وأن كل شيء قضى الله تعالى أن يكون خيرًا، فلا يكون شرًا وبالعكس. ولكن يخشى على من رزق الخير أن يعرض له في تصرفه فيه ما يجلب له الشر.
وفي مرسل سعيد المَقْبَرِيّ عند سعيد بن منصور "أو خير هو ثلاث مرات"، وهو استفهام إنكار، أي أن المال ليس خيرًا حقيقيًا وإن سُمّيَ خيرًا، لأن الخير الحقيقيّ هو ما يعرض له من الإنفاق في الحق، كما أن الشر الحقيقي فيه ما يعرض له من الإمساك عن الحق، والإخراج في الباطل.
وما ذكر في الحديث بعد ذلك، من قوله: إن هذا المال خضرة حلوة، كضرب المثل بهذه الجملة. وقوله:"إن هذا المال، في رواية الدارقطني "ولكن هذا المال" إلخ، ومعناه أن صورة الدنيا حسنة مونقة، والعرب تسمي كل شيء مشرقٍ ناضرٍ أخضر. وقال ابن الأنباريّ: قوله المال خضرة حلوة، ليس هو صفة المال، وإنما هو للتشبيه، كأنه قال: المال كالبقلة الخضراء الحلوة، أو التاء في قوله: "خضرة وحلوة" باعتبارما يشتمل عليه المال من زهرة الدنيا، أو على فائدة المال، أي: أن الحياة به أو العيشة. أوأن المراد بالمال هنا الدنيا؛ لأنه من زينتها. قال الله تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وفي حديث أبي سعيد أيضًا المخرَّج في السنن "الدنيا خضرة حلوة"، فيتوافق الحديثان، ويحتمل أن تكون التاء فيهما للمبالغة.