للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "وإنَّ مما ينبت الربيع" وفي رواية مالك: "وإنَّ كُلَّ ما أنبت الربيعُ" أي: الجدول، وإسناد الإنبات إليه مجازيّ، والمنبت في الحقيقة هو الله تعالى. ومن في قوله "مما ينبت" للتكثير، وليست من للتبعيض، لتوافق رواية "كلما أنبت" وهذا الكلام كله وقع كالمثل للدنيا، وقد وقع التصريح بذلك في مرسل سعيد المَقْبَرِيّ. وقوله: "يقتل حَبَطًا أو يُلِم" أما حَبَطا، فبفتح المهملة والموحدة والطاء مهملة أيضًا والحَبَط انتفاخ البطن من كثرة الأكل. يقال: حَبطت الدابة تَحْبَط حَبَطا إذا أصابت مرعى طيبًا فأمعنتْ في الأكل حتى تنتفخ فتموت. وروي بالخاء المعجمة، من التخبط، وهو الاضطراب. والأول المعتمد. وقوله: "يُلم" بضم أوله، أي: يَقْرُب من الهلاك.

وقوله: "إلاَّ آكلة الخضرة" بالتشديد على الاستثناء، وروى بفتح الهمزة وتخفيف اللام للاستفتاح، وآكِلة بالمد وكسر الكاف، والخضر بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين، للأكثر، وهو ضرب من الكلأ يعجب الماشية، وواحده خَضِرَة. وفي رواية الكشميهنيّ، بضم الخاء وسكون الضاد وزيادة الهاء في آخره، وفي رواية السَّرخسيّ الخضراء، بفتح أوله وسكون ثانيه والمد، ولغيرهم بضم أوله وفتح ثانيه، جمع خضرة.

وقوله: "إذا امتدت خاصرتاها" تثية خاصرة، بخاء معجمة وصاد مهلمة، وهما جانبا البطن من الحيوان. وفي رواية الكشميهنيّ: خاصرتها بالإفراد، وقوله: "استقبلت الشمس اجْتَرّتْ " أي: استرفعت ما أدخلته في كرشها من العلف، فاعادت مضغه. وقوله: "وثَلَطَتْ" بمثلثة ولام مفتوحتين ثم طاء مهملة، وضبطها ابن التين بكسر اللام، أي ألقت ما في بطنها رقيقًا. وقوله: "ثم عادت فأكلت" المعنى أنها إذا شبعت فثَقُل عليها ما أكلت تحيلت في دفعه بأن تجتر، فيزداد نعومة، ثم تستقبل الشمس فتحمى بها، فيسهل خروجه، فإذا خرج زال الانتفاخ، فسلمت. وهذا بخلاف من لم تتمكن من ذلك، فإن الانتفاخ يقتلها سريعًا.

قال الأزهري: هذا الحديث إذا فُرِّق لم يكد يظهر معناه، وفيه مثلان: أحدهما للمفرط في جمع الدنيا، المانع من إخراجها في وجهها، وهو ما تقدم، أي الذي يقتل حَبَطًا. والثاني: المقتصد في جمعها وفي الانتفاع بها، وهو آكلة الخَضَر، فإن الخضر ليس من أحرار البقول التي ينبتها الربيع، ولكنها الحبة، والحبة ما فوق البقل، ودون الشجر، التي ترعاها المواشي بعد هَيْج البُقول، فضرب آكلة الخضر من المواشي مَثلًا لمن يقتصد في أخذ الدنيا وجمعها، ولا يحمله الحرص على أخذها بجر حقها، ولا منعها من مستحقها، فهو ينجو من وبالها كما نجت آكلة الخضر، وأكثر ما تحبط الماشية إذا انحبس رَجِيعها في بطنها.

وقال الزين بن المنير: آكلة الخضر هي بهيمة الأنعام التي ألفت المخاطبون أحوالها في سوَمها ورعيها، وما يعرض لها من البَشَم وغيره. والخضر النبات الأخضر. وقيل: حرار العشب التي تستلذ الماشية أكله، فتستكثر منه. وقيل: هو ما ينبت بعد إدراك العشب وهياجه. فإن الماشية تقتطف منه

<<  <  ج: ص:  >  >>