يوم القيامة حتى يقول: يا ربِّ، أرِحني ولو إلى النار" وقد جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الذي يلجمه العرق الكافر. أخرجه البيهقيّ في البعث عنه، بسند جيد، قال: "يشتد كرب ذلك اليوم حتى يلجم الكافرَ العرقُ. قيل له: أين المؤمنون؟ قال: على الكراسي من ذهب، ويظلل عليهم الغمام".
وبسند قوي عن أبي موسى قال: الشمس فوق رؤوس الناس يوم القيامة، وأعمالهم تظلهم. وأخرج ابن المبارك في الزهد، وابن أبي شيبة في المصنف، واللفظ له بسند جيد، عن سلمان قال: "تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين، ثم تُدنى من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين، فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة، ثم يرتفع حتى يفرغ الرجل" زاد ابن المبارك في روايته "ولا يضر حرها يومئذ مؤمنًا ولا مؤمنة". قال القرطبيّ: "المراد من يكون كامل الإيمان، لما يدل عليه حديث المقداد وغيره، أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب أعمالهم". وأخرج أبو يعلى، وصححه ابن حبان، عن أبي هريرة، رضي الله تعالى عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يوم يقوم الناس لرب العالمين قال: مقدار نصف يوم من خمسين ألف سنة، فيهون ذلك على المؤمن كتدلي الشمس إلى أن تغرب" قلت: الظاهر تقييد هذا بما قيد به القرطبيّ الذي قبله.
وأخرج أحمد وابن حِبان عن أبي سعيد والبَيْهقيّ عن أبي هريرة "يحشر الناس قيامًا أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء، فيلجمهم العرق من شدة الكرب". وهذا كله كالصريح في أن وقوعه في الموقف، وقد ورد أن التفصيل الذي في حديث عقبة والمقداد، يقع مثله لمن يدخل النار، فقد أخرج مسلم عن سمرة، رفعه: "ان منهم من تأخذه النار إلى ركبته، ومنهم من تأخذه إلى حَجْزته"، وفي رواية "إلى حَقْويه"، "ومنهم من تأخذه إلى عنقه" وهذا يحتمل أن تكون النار فيه مجازًا عن شدة الكرب الناشىء عن العرق، فيتحد الموردان، ويحتمل أن يكون ورد في حق من يدخل النار من الموحدين، فإن أحوالهم في التعذيب تختلف بحسب أعمالهم، وأما الكفار فإنهم في الغمرات. قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة. ظاهر الحديث تعميم الناس بذلك، ولكن دلت الأحاديث الأخرى على أنه مخصوص بالبعض، وهم الأكثر، ويستثنى الأنبياء والشهداء، ومن شاء الله فأشهدهم في العرف الكفار، ثم أصحاب الكبائر، ثم من بعدهم، والمسلمون منهم قليل بالنسبة إلى الكفار.
قال: والظاهر أن المراد بالذرائع في الحديث المتعارف، وقيل: هو الذراع المكي، ومن تأمل الحالة المذكورة عرف شدة الهول فيها، وذلك أن النار تحفُّ بأرض الموقف، وتدنى الشمس من الرؤوس قدر ميل، فكيف تكون حرارة تلك الأرض؟ وماذا يرويها من العرق حتى يبلغ منها سبعين ذراعًا؟ مع أن كل واحد لا يجد إلا قدر موضع قدمه، فكيف تكون حالة هؤلاء في عرقهم مع تنوعهم فيه؟ إن هذا لمما يبهر العقول، ويدل على عظيم القدرة، ويقتضي الإيمان بأمور الآخرة، وأن ليس للعقل فيها مجال، ولا يعترض عليها بعقل ولا قياس ولا عادة، وإنما يؤخذ بالقبول، ويدخل تحت