للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: هذا مالكم، وهذه هدية أهديت لي. وعنده أيضًا عن أبي الزناد: فجاء بسواد كثير، فجعل يقول هذا لكم، وهذا أهدى لي. والسواد، بفتح السين وتخفيف الواو، المراد به الأشياء الكثيرة، والأشخاص البارزة من حيوان وغيره. ولفظ السواد يطلق على كل شخص.

ولأبي نعيم في المستخرج: فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من يتوفى منه، وهذا يدل على أن قوله في الرواية المذكورة "فلما جاء حاسبه" أي: أمر من بحاسبه، ويقبض منه. وفي رواية أبي نعيم أيضًا: فجعل يقول هذا لكم وهذا لي، حتى ميزه. قال: يقولون: من أين هذا لك؟ قال: أهدي لي، فجاؤوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بما أعطاهم. وقوله: فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر، زاد في رواية هشام قبل ذلك. فقال: ألا جلست في بيت أبيك وبيت أمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا؟ ثم قام فخطب.

وقوله: ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول: هذا لك .. الخ، وفي رواية هشام: فإني أستعمل الرجل منكم على أمور مما ولاني الله. وقوله: فهلاّ جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى له أم لا، وذلك أن العامل اعتقد أن الذي يهدى له يستبد به دون أصحاب الحقوق، التي عمل فيها، فبين له النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن الحقوق التي عمل لأجلها هي السبب في الإهداء له، وأنه لو أقام في منزله لم يهد له شيء، فلا ينبغي له أن يستحلها بمجرد كونها وصلت إليه على طريق الهدية، فإن ذاك إنما يكون حيث يتمحض الحق له.

قال المهلب: حيلة العامل ليهدى له تقع بأن يسامح بعض من عليه الحق، فلذلك قال: هلا جلس في بيت أمه لينظر هل يهدى له، فأشار إلى أنه لولا الطمع في وضعه من الحق ما أهدي له. قال: فأوجب النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ الهدية وضمها إلى أموال المسلمين .. قال في الفتح: كذا قال، ولم أقف على أخذ ذلك منه صريحًا. قال ابن بطال: دل الحديث على أن الهدية للعامل تكون لشكر معروفه، أو للتحبيب إليه، أو للطمع في وضعه من الحق، فأشار النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى أنه، فيما يهدى له من ذلك، كأحد المسلمين، لا فضل له عليهم فيه، وأنه لا يجوز الاستثناء به.

والذي يظهر أن الصورة الثانية إن وقعت، لم تحل للعامل جزمًا، وما قبلها في طرق الاحتمال. وقوله: والذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة، أي لا يأتي بشيء يحوزه لنفسه. وفي رواية: لا يأخذ أحد منها شيئًا، وفي رواية: لا ينال أحدكم منها شيئًا، وفي رواية: لا يَغُل منها شيئًا إلا جاء به، بضم الغين المعجمة من الغلول، وأصله الخيانة في الغنيمة، ثم استعمل في كل خيانة. وقوله: يحمله على رقبته، في رواية: على عنقه إن كان بعيرًا له رُغاء، بضم الراء وتخفيف المعجمة مع المد، صوت البعير. وقوله: أو بقرة لها خُوار، بضم الخاء المعجمة، صوت للبقر "أو شاة تَبْعر" بفتح المثناة الفوقانية وسكون التحتانية بعدها مهملة مفتوحة، ويجوز كسرها. وعند ابن التين: أو شاة لها بَعَار، يعني بفتح التحتانية وتخفيف المهملة، وهو صوت الشاة الشديدة، وقيل: هو بضم أوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>