للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهل تجب عليه ابتداء، أو تجب على العبد، ثم يتحملها السيد؟ وجهان للشافعية، وإلى الثاني نحا البخاريّ ومذهب الجمهور: مالك والليث والأوزاعي والشافعي، وإسحاق، أنها واجبة على السيد، ولو كان للتجارة. وقال عطاء والنخعي، والثوري، والحنفيون: إذا كان للتجارة لا تلزمه فطرته، وأما المُكاتِب فالجمهور أنها لا تجب عليه. وعن مالك قولان: قيل: يخرجها عن نفسه، وقيل: سيده، وهذا هو المشهور، ولا تجب على السيد عند أبي حنيفة والشافعي، وأحمد.

وقوله: والذكر والأنثى، ظاهره وجوبها على المرأة سواء كان لها زوج أم لا، وبه قال الثَّوري وأبو حنيفة وابن المنذر. وقال مالك والشافعي والليث وأحمد وإسحاق: تجب على زوجها، إلحاقًا بالنفقة، وفيه نظر؛ لأنهم قالوا: إن أعسر وكانت الزوجة أمَة، وجبت فطرتها على السيد، بخلاف النفقة فافترقا. قلت: مسألة الأَمة هذه لم أطلع عليها للمالكية، وأيضًا اتفقوا على أن المسلم لا يخرج عن زوجته الكافرة، مع أن نفقتها تلزمه. وإنما احتج القائلون بوجوبها على الزوج بما روي عن ابن عمر من قوله "ممن تَمُونون" وروى نحوه مرسلًا عن محمد الباقر.

وقوله: والصغير والكبير، ظاهره وجوبها على الصغير، لكن المخاطب عنه وليه، فوجوبها على هذا في مال الصغير، وإلا فعلى من تلزمه نفقته، وهذا قول الجمهور. وقال محمد بن الحسن: هي على الأب مطلقًا، فإن لم يكن له أب فلا شيء عليه. قلت: وهذا هو مذهب مالك، وعن سعيد بن المسيب والحسن البصري: لا تجب إلا على من صام واستدل لهما بحديث ابن عباس مرفوعًا "صدقة الفطر طُهْرَة للصائم من اللَّغو والرَّفث" أخرجه أبو داود.

وأجيب بأن ذكر التطهير خرج على الغالب، كما أنها تجب على من لم يذنب، كمتَحقَّق الصلاح، أو من أسلم قبل غروب الشمس بلحظة، ونقل ابن المنذر الإجماع على أنها لا تجب على الجنين. قال: وكان أحمد يستحبه ولا يوجبه. ونقل بعض الحنابلة رواية عنه بالإيجاب، وبه قال ابن حَزم، لكن قيّده بمئة وعشرين يومًا من يوم حمل أمه به. وتعقب بأن الحمل غير محقق، وبأنه لا يسمى صغيرًا، لا لُغَة ولا عُرفًا. واستدل بقوله في حديث ابن عباس "طهرة للصائم" على أنها تجب على الفقير، كما تجب على الغني، وقد ورد ذلك صريحًا في حديث أبي هريرة عن أحمد، وحديث ثعلبة بن أبي صُغير عند الدارقطني.

وعند الحنفية لا تجب إلا على من ملك نصابًا، ومقتضاه أنه لا تجب على الفقير على قاعدتهم في الفرق بين الغني والفقير، واستدل لهم بحديث أبي هريرة المتقدم "لا صدقة إلاّ عن ظهر غِنى" واشترط مالك والشافعيّ ومن تبعهما أن يكون ذلك فاضلًا عن قوت يومه، ومن تلزمه نفقته. وقال ابن بُزَيزة: لم يدل دليل على اعتبار النصاب فيها، لأنها زكاة بدنية لا مالية.

وقوله: من المسلمين، فيه رب على من زعم أن مالكًا تفرد بها في الرواية التي بعد هذه، فقد تابعه عليها سبعة: عمر بن نافع في هذه الرواية، والضحاك بن عثمان عن نافع عند مسلم،

<<  <  ج: ص:  >  >>