وقال الشافعي والجمهور: يجوز الحج عن الميت عن فرضه ونذره سواء أوصى أو لم يوص، وهو واجب في تركته، واجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله، ويلتحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من كفارة أو نذر، أو زكاة أو غير ذلك، وهو مقدم على دين الآدمي على أحد أقوال الشافعي، وقيل بالعكس، وقيل: هما سواء.
ونقل ابن المنذر وغيره الإِجماع على أنه لا يجوز أن يستنيب من يقدر على الحج بنفسه في الحج الواجب.
وأما النفل فيجوز عند أبي حنيفة خلافًا للشافعي، وعن أحمد روايتان، ولم يخالف في جواز حج الرجل عن المرأة، والمرأة عن الرجل إلا الحسن بن صالح، واستدل الكوفيون بعمومه على جواز صحة حج من لم يحج نيابة عن غيره، وخالفهم الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه، واستدلوا بما في "السنن" و"صحيح ابن خزيمة" وغيره عن ابن عباس أيضًا، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا يلبي عن شبرمة، فقال:"أحججت عن نفسك؟ " فقال: لا، قال:"هذه عن نفسك، ثم احجج عن شبرمة".
وأجاب المالكية عن حديث الباب بأن ذلك وقع من السائل على جهة التبرع، وليس في شيء من طرقه تصريح بالوجوب، وبأنها عبادة بدنية، فلا تصح النيابة فيها كالصلاة، وقد نقل الطبري وغيره الإجماع على أن النيابة لا تدخل في الصلاة، قالوا: ولأن العبادات فرضت على جهة الابتلاء، وهو لا يوجد في العبادات البدنية إلا بإتعاب البدن، فيه يظهر الانقياد أو النفور، بخلاف الزكاة، فإن الابتلاء فيها بنقص المال، وهو حاصل بالنفس والغير، وأجيب بأن قياس الحج على الصلاة لا يصح، لأن عبادة الحج بدنية مالية معًا فلا يترجح إلحاقها بالصلاة على إلحاقها بالزكاة، ولهذا قال المازري: من غلَّب حكم البدن في الحج ألحقه بالصلاة، ومن غلّب حكم المال ألحقه بالصدقة، وقد أجاز المالكية الحج عن الغير إذا أوصى به، ولم يجيزوا ذلك في الصلاة. وبأنَّ حصر الابتلاء في المباشرة ممنوع؛ لأنه يوجد في الأَمر من بذله المال في الأجرة. وقال عياض: لا حجة للمخالف في حديث الباب، لأن قوله: ان فريضة الله على عباده، الخ، معناه أن إلزام الله عباده بالحج الذي وقع بشرط الاستطاعة صادف أبي بصفة من لا يستطيع فهل أحج عنه؟ أي: هل يجوز لي ذلك؟ أو: هل فيه أجر ومنفعة؟ فقال: نعم، وتُعُقِّب بأنَّ في بعض طرقه التصريح بالسؤال عن الإجزاء، فيتم الاستدلال. وتقدم في بعض طرق مسلم أن أبي عليه فريضة الله في الحج. وفي رواية