وادَّعى بعضهم أنَّ هذه القصة مختصة بالخثعميَّة، كما اختص سالم مولى أبي حذيفة بجواز إرضاع الكبير، حكاه ابن عبد البر، وتعقب بأنَّ الأصل عدم الخصوصية، واحتج بعضهم لذلك بما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب "الواضحة" بإسنادين مرسلين، فزاد في الحديث:"حج عنه، وليس لأحدٍ بعده"، ولا حجة فيه لضعف الإسنادين مع إرسالهما، وقد عارضه قوله في حديث الجهنية الآتي:"اقضوا الله، فالله أحق بالقضاء".
وقال القرطبي: رأى مالك أن ظاهر حديث الخثعمية مخالف لظاهر القرآن: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، وأن الأصل في الاستطاعة هي القوة بالبدن، قال تعالى:{فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}، فرجَّح ظاهر القرآن، ولا شك في ترجيحه من جهة تواتره، ومن جهة أن القول المذكور قول امرأة ظنَّتْ ظنّاً، ولا يقال قد أجابها النبي -صلى الله عليه وسلم- على سؤالها، ولو كان ظنها غلطًا لبيّنه لها؛ لأنَّا نقول: إنما أجابها على قولها: أفأحج عنه؟ قال:"حجي عنه"، لما رأى من حرصها على إيصال الخير والثواب لأبيها، وتعقب بأن في تقرير النبي -صلى الله عليه وسلم- لها على ذلك حجة ظاهرة. وأما ما رواه عبد الرزاق عن ابن عباس، فزاد في الحديث:"حُجَّ عن أبيك، فإن لم يزده خيرًا لم يزده شرًا"، فقد جزم الحفاظ بأنها رواية شاذة، وعلى تقدير صحتها فلا حجة فيها للمخالف.
ومن فروع المسألة أن لا فرق بين من استقر الوجوب في ذمته قبل العضب، أو طرأ عليه خلافًا للحنفية، وللجمهور ظاهر قصة الخثعمية.
وأنَّ من حج عن غيره وقع الحج عن المستنيب خلافًا لمحمد بن الحسن، فقال: يقع عن المباشرة، وللمحجوج عنه أجر النفقة.
وعند المالكية: يقع نافلة للأجير، ولمن حج عنه أجر النفقة والدعاء، واختلفوا فيما إذا عوفي المعضوب، فقال الجمهور: لا يجزئه، لأنه تبين أنه لم يكن ميؤوسًا منه، وقال أحمد وإسحاق: لا تلزمه الإعادة لئلا يفضي إلى إيجاب حجتين، واتفق من أجاز النيابة في الحج على أنَّها لا تجزىء في الفرض، إلا عن موت أو عضب، فلا يدخل المريض لأنَّه يُرجى برؤه، ولا المجنون لأنه ترجى إفاقته، ولا المحبوس لأنه يرجى خلاصه، ولا الفقير لأنه يمكن استغناؤه.
وفيه جواز الارتداف، والردف والرديف الراكب خلف الراكب بإذنه، وردف كل شيء: مؤخره، وأصله من الركوب على الردف وهو العجز، ولهذا قيل للراكب الأصلي: ركب صدر