العِصام، وهو الخيط الذي يُشَدُّ به فم القِربة ليمنع سيلان الماء. أي: فلا تُهدر دماؤهم ولا تُستباح أموالهم بعد عصمتهم بالإِسلام بسبب من الأسباب إلا بقوله: "إلا بحق الإِسلام" أي: من قتل نفس، أو حدٍّ، أو غرامةٍ بمتلف، أو ترك صلاة.
وقوله:"وحسابهم على الله" أي: في أمر سرائرهم، وأما نحن فإنما نحكم بالظاهر، فنعاملهم بمقتضى ظواهر أقوالهم وأفعالهم، والمعنى هذا القتال وهذه العصمة إنما هُما باعتبار أحكام الدنيا المتعلقة بنا، وأما أمور الآخرة من الجنة والنار، والثواب والعقاب، فمفوضٌ إلى الله تعالى، ولفظةُ على مشعرةٌ بالإِيجاب، وظاهرها غير مراد، فإما أن يكون المراد: فحسابهم إلى الله أو لله، فعلى بمعنى إلى أو اللام، أو على سبيل التشبيه، أي: هو كالواجب على الله في تحقق الوقوع، لا إنه تعالى يَجِبُ عليه شيء، خلافًا للمعتزلة القائلين بوجوب الحساب عقلًا.
وفيه دليل على قَبول الأعمال الظاهرة، والحكم بما يقتضيه الظاهر، والاكتفاء في قَبول الإِيمان بالاعتقاد الجازم، خلافًا لمن أوجب تعلم الأدلة، وقد مرّ في باب "وإن المعرفة فعل القلب" بعض الكلام عليه.
ويُؤخذ منه ترك تكفير أهل البدع المُقِرّين بالتوحيد الملتزمين للشرائع، وقَبول توبة الكافر من كفره من غير تفصيل بين كفر ظاهر أو باطن، ويأتي ما في هذا قريبًا إن شاء الله تعالى.
واستدل به النّووي على أن من ترك الصلاة عمدًا يُقتل، وفي هذا الاستدلال نظرٌ، للفرق بين صيغة "أقاتل" و"أقتُل" وقد أطْنب ابن دقيق العيد في الإِنكار على من استدل بهذا الحديث على ذلك، قائلا: إنه لا يلزم من إباحة القتال إباحة القتل, لأن باب المُفاعلة يستلزم وقوع الفعل من الجانبين، ولا كذلك القتل، وحاصل ما قيل في حكم تارك الصلاة عمدًا مقرًّا بوجوبها هو: أن مذهب مالك تأخيره حتى يبقى قَدْر ركعة بسجدتيها من الضروري، ويُقتل حدًّا لا كفرًا بالسيف. وكذلك الشافعية