للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقتل عندهم بالسيف حدًا لا كُفرًا، واختلف أصحاب الشافعي هل يُقتل على الفور أو يُمهل ثلاثة أيام؟ الأصح الأول، والصحيح أنه يُقتل بترك صلاة واحدة إذا خرج وقت الضرورة لها. وقال أحمد في رواية أكثر أصحابه عنه: إنه يُقتل كُفرًا، فلا يُغَسَّل، ولا يُصلى عليه، وتَبِين منه امرأته. وبه قال ابن حَبيب من المالكية، وبعض الشافعية. وقال أبو حنيفة والمُزَني: يُحبس إلى أن يُحدث توبة، ولا يُقتل.

قلت: الظاهر أن محل الخلاف عند العلماء إنما هو في الذي ترك الصلاة ويصلي، وأما التارك لها رأسًا بتاتًا فهذا لا خلاف في كفره، وعليه يتنزل الحديث الصحيح: "بينَ العبدِ والكفرِ ترك الصلاة".

وسُئل الكِرْماني عن حكم تارك الزكاة فأجاب بأن حكمهما واحدٌ لاشتراكهما في الغاية، وكأنه أراد في المقاتلة، أما في القتل فلا، والفرق أن الممتنع من إيتاء الزكاة يمكن أن تُؤْخَذ منه قهرًا بخلاف الصلاة، فإن انتهى إلى نصب القتال ليمنَع الزكاة قوتل، وبهذه الصورة قاتل الصديق مانعي الزكاة، ولم يُنْقل أنه قتل أحدًا صبرًا، ولو ترك صوم رمضان حُبِس ومُنِع الطعام والشراب نهارًا، لأن الظاهر أنه ينويه معتقدًا, لأنه معتقد لوجوبه.

وقال النَّوَوي: يُستدل به على وجوب قتال مانعي الصلاة والزكاة وغيرهما من واجبات الإِسلام قليلًا أو كثيرًا، ولذا قال محمَّد بن الحسن: إذا أجمع أهل بلدة أو قرية على ترك الأذان فإن الإِمام يقاتلهم، وكذا كل شيء من شعائر الإِسلام، وما قاله محمَّد بن الحسن مصرحٌ به عند المالكية، وأما الزِّنْديق، وهو الذي يُظهر الإِسلام ويبطن الكفر، فمذهب مالك أنه يُقْتَل إذا اطُّلع عليه، ولا تُقبل توبته، لكنه إن كان صادقًا في توبته نفعه ذلك عند الله تعالى، والصحيح عند الشافعية قَبول توبته، وعن أبي حنيفة روايتان كالوجهين، وقيل: إن كان من الدعاة إلى الضلال لم تُقبل توبته، وتقبل توبة عوامهم. وقيل: إن أُخذ ليقتل فتاب لم تُقبل، وإن

<<  <  ج: ص:  >  >>