للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء تائبًا ابتداءً وظهرت مخائل الصدق عليه قُبلت، وحُكي هذا القول عن مالك، وهو الذي عليه الفتوى في مذهبه، وقيل: إن تاب مرة قبلت منه، وإن تكررت منه التوبة لم تقبل، ويأتي قريبًا في مبحث السَّنَد ما في هذا الحديث من الغرابة، ولذلك استبعد قوم صحته قائلين: إنه لو كان عند ابن عُمر لما ترك أباه يُنازع أبا بكر في قتال مانعي الزكاة، ولو كانوا يعرِفونه لما كان أبو بكر يُقِرُّ عمر على الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام: "أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" وينتقل عن الاستدلال بهذا النص إلى القياس، إذ قال: "لأُقَاتِلَنَّ من فَرَّق بين الصلاة والزكاة، لأنها قرينتها في كتاب الله" والجواب أنه لا يلزم من كون الحديث المذكور عند ابن عُمر أن يكون استحضره في تلك الحالة، ولو كان مستحضرًا له فقد يُحتمل أن لا يكون حَضَر المناظرة المذكورة، ولا يمنع أن يكون ذَكَرَه لهما بعدُ، ولم يستدِلَّ أبو بكر في قتال مانعي الزكاة بالقياس فقط، بل أخذه أيضًا من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه: "إلا بحقِّ الإِسلام" قال أبو بكر: والزكاة حق الإِسلام، ولم ينفرد ابن عُمر بالحديث المذكور، بل رواه أبو هُريرة بزيادة الصلاة والزكاة فيه كما يأتي في الزكاة.

وتُؤخذ الزكاة مِمَّن وجبت عليه، فإن كان الممتنع من أدائها ذا شوكة قوتل، وإلا فإن أمكن تعزيره على الامتناع عُزِّرَ بما يليق به، وقد ورد في تعزيره بالمال حديث ابن حَكيم عن أبيه عن جده مرفوعًا، أخرجه أبو داود والنَّسائي وصححه ابن خُزيْمة والحاكم، ولفظه: "ومَن مَنعهَا -يعني الزكاة- فإنّا آخذُوها وشَطْرَ ماله، عَزْمةٌ من عَزَماتِ ربِّنا" وقال ابن حِبَّان في ترجمة بَهْز بن حكيم: لولا هذا الحديث لأدخلته في كتاب "الثقات" وأجاب من صححه ولم يعمل به بأن الحكم الذي دَلَّ عليه منسوخٌ وأن الأمر كان أولًا كذلك ثم نسخ، وضعف النّووي هذا الجواب من جهة أن العقوبة بالمال لا تعرف أولًا حتى تَتِمَّ دعوى النسخ، ولأن النسخ لا يثبت إلا بشرطه لمعرفة التاريخ, ولا يعرف ذلك، واعتمد الثّوري ما أشار إليه ابن حبّان من تضعيف بَهْز، وليس بجيد, لأنه مُوَثَّق عند الجمهور،

<<  <  ج: ص:  >  >>