وقوله:"جاء رجل" سيأتي بعد أبواب بلفظ: جاء أعرابي، والرجل المبهم قيل أنه عطاء بن منية، وفي "شرح سراج الدين بن الملقن": هذا الرجل يجوز أن يكون عمرو بن سواد، إذ في كتاب "الشفاء" للقاضي عياض عنه، قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا متخلق، فقال:"ورس ورس، حط حط"، وغشيني بقضيب بيده في بطني، فأوجعني، قال ابن الملقن: لكن عمرو هذا لا يدرك؛ لأنه صاحب ابن وهب. أ. هـ.
وهو معترض من وجهين، أمَّا أولًا، فليست هذه القصة شبيهة بهذه القصة حتى يفسر صاحبها بصاحبها، وأما ثانيًا ففي الاستدراك غفلة عظيمة، فإن من يقول: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يتخيل فيه أنه صاحب ابن وهب صاحب الإِمام مالك، بل إن ثبت فهو آخر، وافق اسمه اسمه، واسم أبيه اسم أبيه، والغرض أنه لم يثبت لأنه انقلب على ابن الملقن، وإنما الذي في الشفاء: سواد بن عمرو، وقيل: سوادة بن عمرو، وأخرج حديثه المذكور عبد الرزاق في "مصنفه"، والبغوي في "معجم الصحابة"، وسأذكر في السند تعريف من قيل إنه هو المبهم.
وروى الطحاوي عن أبي حفص بن عمرو، عن يعلى أنه مرَّ على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو متخلق، فقال:"ألك امرأة"؟ قال: لا، قال:"اذهب فاغسله" فقد يتوهم من لا خبرة له أن يعلي بن أمية هو صاحب القصة، وليس كذلك، فإن راوي هذا الحديث يعلي بن مرة الثقفي، وهي قصة أخرى غير قصة صاحب الإِحرام، نعم روى الطحاوي في موضع آخر ذلك عن يعلي بن أمية صاحب القصة، فعن عطاء ابن أبي رباح أن رجلًا يقال له يعلي بن أمية أحرم وعليه جبة، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينزعها، قال قتادة: قلت لعطاء: إنما كنا نرى أن نشقها، قال عطاء: إن الله لا يحب الفساد.
وقوله:"قد أُظِلّ به" بضم الهمزة وكسر الظاء المعجمة، أي: جعل عليه كالظلة، وعند الطبراني في "الأوسط" وابن أبي حاتم أن الآية نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- حينئذ قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، ويستفاد منه أن المأمور به وهو الإِتمام يستدعي وجوب اجتناب ما يقع في العمرة.
وقوله:"يغطُّ" بفتح أولى وكسر المعجمة وتشديد الطاء المهملة، أي: ينفخ، والغطيط صوت النفس المتردد من النائم أو المغمى، وسبب ذلك شدة ثقل الوحي، وكان سبب إدخال يعلى رأسه عليه في تلك الحالة أنه كان يحب لو رآه في حالة نزول الوحي، وكان يقول ذلك لعمر، فقال له عمر حينئذ: تعال فانظر، وكأنه علم أن ذلك لا يشق على النبي -صلى الله عليه وسلم-.