أبو داود الطيالسي في "مسنده" عن عطاء، بلفظ: رأى رجلًا عليه جبة عليها أثر خلوق، ولمسلم عن عطاء مثله، وأخرج سعيد بن منصور، عن عطاء، عن يعلي بن أمية أن رجلًا قال: يا رسول الله، إني أحرمت وعلي جبتي هذه، وعلى جبته ردغ من خلوق، الحديث، وفيه:"فقال: اخلع هذه الجبة واغسل هذا الزعفران".
واستدل بحديث يعلى على منع استعمال الطيب عند الإِحرام، وعلى منع استدامته بعد الإِحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن، وهو قول مالك ومحمد بن الحسن، وخالفهما في ذلك الجمهور، وأجابوا بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة، كما ثبت في هذا الحديث وهي في سنة ثمان بلا خلاف، وقد ثبت عن عائشة أنها طيبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدها عند إحرامه كما يأتي في الذي بعده، وكان ذلك في سنة عشر في حجة الوداع بلا خلاف، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من الأمر، وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب، فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران، وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقًا محرمًا، أو غير محرم. وفي حديث ابن عمر الآتي قريبًا: ولا يلبس، أي المحرم شيئًا من الثياب مسَّه زعفران، وفي حديث ابن عباس الآتي أيضًا: ولم ينه إلا عن الثياب المزعفرة، وسيأتي مزيد لذلك في الباب الذي بعده.
واستدل به على أن من أصابه طيب في إحرامه ناسيًا أو جاهلًا، ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه، وقال مالك: إن طال ذلك عليه لزمه، وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية: تجب مطلقًا.
وعلى أن المحرم إذا صار عليه مخيط نزعه، ولا يلزمه تمزيقه ولا شقّه، خلافًا للنخعي والشعبي، حيث قالا: لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيًا لرأسه، أخرجه ابن أبي شيبة عنهما، وعن علي نحوه، وكذا عن الحسن، وأبي قلابة، وقد وقع عند أبي داود بلفظ:"اخلع عنك الجبة، فخلعها من قبل رأسه".
وعلى أن المفتي والحاكم إذا لم يعرف الحكم يمسك حتى يتبين له.
وعلى أن بعض الأحكام ثبت بالوحي وإن لم يكن مما يتلى، لكن وقع عند الطبراني في "الأوسط" أن الذي نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}.
وعلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يحكم بالاجتهاد إلا إذا لم يحضره الوحي.
وفيه جواز النظر إلى غيره، وهو مغطى بشيء، وإدخال رأسه في غطائه إذا علم أنه لا