للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأن التقييد ليس في الحمد، وإنما هو في التلبية، قال ابن دقيق العيد: الكسر أجود لأنه يقتضي أن تكون الإِجابة مطلقة غير معللة، وأن الحمد والنعمة لله على كل حال، والفتح يدل على التعليل، فكأنه يقول: أجبتك لهذا السبب، والأول أعم، فهو أكثر فائدة، ولما حكى الرافعي الوجهين من غير ترجيح، رجَّح النووي الكسر، وهذا خلاف ما نقله الزمخشري أن الشافعي اختار الفتح، وأن أبا حنيفة اختار الكسر.

وقوله: "والنعمة لك" المشهور فيه النصب، قال عياض: ويجوز الرفع على الابتداء، ويكون الخبر محذوفًا، والتقدير: أن الحمد لك والنعمة مستقرة لك، وقال ابن المنير: قرن الحمد والنعمة وأفرد الملك لأن الحمد متعلق النعمة، ولهذا يقال: الحمد لله على نِعَمِه، فجمع بينهما كأنه قال: لا حمد إلا لك؛ لأنه لا نعمة إلا لك، وأما الملك فهو معنى مستقل بنفسه ذكر لتحقيق أن النعمة كلها لله لأنه صاحب الملك.

وقوله: "والملك" بالنصب أيضًا على المشهور، ويجوز الرفع، وتقديره: والملك كذلك، وعند مسلم عن ابن عمر: كان النبي-صلى الله عليه وسلم- إذا استوت به راحلته عند مسجد ذي الحليفة أهلَّ فقال: لبَّيك، الحديث. وللمصنف في اللباس عنه: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهلّ ملبّدًا، بقوله: "لبيك اللهم لبَّيك"، الحديث، وقال في آخره: لا يزيد على هذه الكلمات، زاد مسلم: قال ابن عمر: كان عمر يهلّ بهذا ويزيد: لبيك اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك، والرغباء إليك، والعمل. وهذا القدر في رواية مالك عن ابن عمر أنه كان يزيد فيها، فذكر نحوه فعلم أن ابن عمر اقتدى بأبيه في ذلك، وأخرج ابن أبي شيبة عن المسور بن مخرمة، قال: كانت تلبية عمر، فذكر مثل المرفوع، وزاد: لبيك مرغوبًا ومرهوبًا إليك، ذا النعماء والفضل الحسن.

واستدل به على استحباب الزيادة على ما روي عن النبي-صلى الله عليه وسلم- في ذلك، قال الطحاوي بعد أن أخرجه عن ابن عمر وابن مسعود وجابر وعائشة وعمرو بن معدي كرب: أجمع المسلمون جميعًا على هذه التلبية، غير أن قومًا قالوا: لا بأس أن يزيد فيها من الذكر ما أحب بلا استحباب ولا كراهة، وهذا مذهب الأئمة الأربعة، لكن حكى ابن عبد البر عن مالك الكراهة، قال: وهو أحد قولي الشافعي، وحكى البيهقي الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي، فقال: الاقتصار على المرفوع أحب، ولا ضيق أن يزيد عليها، قال: وقال أبو حنيفة: وإن زاد فحسن، وحكى في المعرفة عن الشافعي، قال: ولا ضيق على أحد في قول ما جاء عن ابن عمر وغيره من تعظيم الله ودعائه، غير أن الاختيار عندي أن يفرد ما روي

<<  <  ج: ص:  >  >>