عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرفوعًا، وإذا اختار قول ما جاء موقوفًا أو أنشأه هو من نفسه مما يليق، قاله على انفراده حتى لا يختلط بالمرفوع، وهذا أعدل الوجوه، وهو شبيه بحال الدعاء في التشهد، فإنه قال فيه: ثم ليختر من المسألة والثناء ما شاء بعد أن يفرغ من المرفوع.
واستدل المجوزون للزيادة بما أخرجه النسائي، وصححه ابن حبان والحاكم عن أبي هريرة، قال: كان من تلبية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لبيك إله الخلق لبيك"، وبزيادة ابن عمر المذكورة، وبما أخرجه أبو داود وابن ماجه عن جابر، قال: أهلَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر التلبية، قال: والناس يزيدون: ذا المعارج ونحوه من الكلام، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يسمع، فلم يقل لهم شيئًا، وروى سعيد بن منصور عن الأسود بن يزيد أنه كان يقول:"لبيك غفار الذنوب"، وفي "تاريخ مكة" للأزرقي بسند معضل: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"لقد مرَّ بفج الروحاء سبعون نبيًا تلبيتهم شتى منهم يونس بن متى، وكان يقول: لبيك فرَّاج الكرب، لبَّيك، وكان موسى يقول: لبَّيك أنا عبدك لديك لبيك، قال: وتلبية عيسى: أنا عبدك وابن أمتك بنت عبديك".
وقال قوم: لا ينبغي أن يزاد على ما علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس كما في حديث عمرو بن معدي كرب، ثم فعله هو، ولم يقل لبُّوا بما شئتم مما هو من جنس هذا، بل علَّمهم كما علَّمهم التكبير في الصلاة، فكذلك لا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئًا مما علمه، وأخرج الطحاوي عن سعد بن أبي وقاص أنه سمع رجلًا يقول: لبيك ذا المعارج، فقال: إنه لذو المعارج، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهذا سعد قد كره الزيادة في التلبية، قال الطحاوي: وبه نأخذ، وهذا يدل على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل لمداومته هو -صلى الله عليه وسلم- عليها، وأنه لا بأس بالزيادة لكونه لم يردّها عليهم، وأقرّهم عليها، وهو قول الجمهور كما مرّ.
واستحب الشافعية أن يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الفراغ من التلبية، ويسأل الله رضاه والجنة، ويتعوذ به من النار، واستأنسوا لذلك بما رواه الشافعي والدارقطني والبيهقي عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا فرغ من تلبيته سأل الله تعالى رضوانه والجنة، واستعفاه برحمته من النار.
وقوله:"وسعديك" في الحديث هو من باب لبيك، فيأتي فيه ما سبق من التثنية والإفراد، ومعناه: أسعِدني إسعادًا بعد إسعاد، فالمصدر فيه مضاف للفاعل، وإن كان الأصل في معناه أسعدك بالإجابة إسعادًا بعد إسعاد على أن المصدر فيه مضاف للمفعول لاستحالة ذلك هنا، وقيل: المعنى مساعدة على طاعتك بعد مساعدة، فيكون من المضاف للمنصوب، وقد وقع