للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعرفون غيره، ولم يكونوا يعرفون العمرة في أشهر الحج، فخرجوا محرمين بالذي لا يعرفون غيره، وتعقبه الدماميني بأن الظاهر غير الاحتمالين المذكورين وهو أن مرادها لا أظن أنا ولا غيري من الصحابة إلا أنه الحج فأحرمنا به، هذا ظاهر اللفظ، وهذا ليس بظاهر لأن قولها: لا نرى إلا أنه الحج ليس صريحًا في إهلالها بالحج، نعم في رواية أبي الأسود عنها كما سيأتي إن شاء الله تعالى مهلِّين بالحج، ولمسلم: لبينا بالحج، وهذا ظاهره أنها مع غيرها من الصحابة كانوا أولًا محرمين بالحج، لكن في رواية عروة عنها في هذا الباب: فمنَّا من أهلَّ بعمرةٍ، ومنَّا من أهلَّ بحجة وعمرة، ومنَّا من أهلَّ بالحج، فيحمل الأول على أنها ذكرت ما كانوا يعهدونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج، ثم بين لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وجوه الإِحرام، وجوَّز لهم الاعتمار في أشهر الحج، وأما عائشة نفسها، فسيأتي إن شاء الله تعالى في أبواب العمرة، وفي حجة الوداع في المغازي عن عروة عنها في أثناء هذا الحديث، قالت: وكنت ممن أهلَّ بعمرة، وقد زعم إسماعيل القاضي وغيره أن الصواب رواية أبي الأسود والقاسم وعمرة عنها، أنها أهلت بالحج مفردًا، ونسب عروة إلى الغلط. وأجيب بأن قول عروة عنها أنها أهلَّت بعمرة صريح، وأما قول أبي الأسود وغيره عنها: لا نرى إلا الحج، فليس صريحًا في إهلالها بحج مفرد، فالجمع بينهما ما سبق من غير تغليط عروة، وهو أعلم الناس بحديثها، وقد وافقه جابر بن عبد الله الصحابي، كما أخرجه مسلم عنه، وكذا رواه طاووس ومجاهد عن عائشة.

ويحتمل في الجمع أيضًا أن يقال: أهلَّت عائشة بالحج مفردًا، كما فعل غيرها من الصحابة، وعلى هذا ينزل حديث الأسود ومن تبعه، ثم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه أن يفسخوا الحج إلى العمرة، ففعلت عائشة ما صنعوا فصارت متمتعة، وعلى هذا يتنزل حديث عروة: ثم لما دخلت مكة وهي حائض، فلم تقدر على الطواف لأجل الحيض، أمرها أن تحرم بالحج على ما جاء في ذلك من الخلاف.

وقوله: "فلما قدمنا تطوفنا" أي: غيرها، لقولها بعده: فلم أطف، فإنه تبين به أن قولها: تطوفنا من العام الذي أريد به الخاص. وقوله: فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من لم يكن ساق الهدي أن يحل من الحج بعمل العمرة، وياء يحل مضمومة من الإِحلال، وفي اليونينية بفتحها لا غير، والفاء في فأمر للتعقيب، فيدل على

<<  <  ج: ص:  >  >>