هو تلك، والتي أُورثتُموها صفة أخرى، والخبر قوله:{بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: تؤمنون، وما مصدرية، أي: بعملكم، أو موصولة محذوفة العائد، أي: بالذي كنتم تعملونه، والباء للملابسة، أي: أورثتموها ملابسةً لأعمالكم، أي: لثواب أعمالكم، أو للمقابلة، وهي التي تدخل على الأعواض كاشتريت بألف.
ولا تنافي بين الآية وحديث:"لن يدخلَ أحدٌ الجنةَ بعمله" المخرج في "الصحيحين" لأن المثبت في الآية الدخول بالعمل المقبول، والمُنتفي في الحديث دخولها بالعمل المجرد عنه، والقَبول إنما هو من رحمة الله تعالى، فآل ذلك إلى أنه لم يقع الدخول إلا برحمته.
وقال ابن بَطّال في الجمع بين الآية والحديث ما محصله: أنْ تُحمل الآية على أن الجنة تُنال المنازل فيها بالأعمال، فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال، وأن يُحْمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها، ثم أورد على هذا الجواب قوله تعالى:{سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[النحل: ٣٢] فصرح بأن دخول الجنة أيضًا بالأعمال، ومثل الآية في الإِيراد ما رواه الدَّارَقُطْنيّ عن أبي أُمامة أنه عليه الصلاة والسلام قال:"نعم الرَّجُلُ أنا لشرارِ أمتي" فقالوا: فكيف أنت لخيارها؟ فقال:"أما خيارُها فيدخلون الجنة بأعمالهم, وأما شِرارها فيدخلون الجنة بشفاعتي" وأجاب عن الآية بما هو جواب عن الحديث أيضًا، بأنه لفظٌ مجمل بينه الحديث، والتقدير: ادخلوا منازل الجنة وقصورها بما كنتم تعملون، وليس المراد بذلك أصل الدخول، ثم قال: ويجُوز أن يكون الحديث مفسرًا للآية والتقدير: ادخُلوها بما كنتم تعملون مع رحمة الله وتفَضُّلِه عليكم, لأن اقتسام منازل الجنة برحمة الله، وكذا أصل دخول الجنة هو برحمته، حيث ألهم العاملين ما نالوا به ذلك، ولا يخلو شيء من مجازاته لعباده من رحمته وفضله, وقد تفضل عليهم ابتداءً بإيجادهم، ثم برزقهم، ثم بتعليمهم.